للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصحابه رضوان الله عليهم عن الغلو في جوانب معينة من الدين نذكر اثنين منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.

فعن أنس بن مالك قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي يسألون عن عبادة النبي فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها. فقالوا: وأين نحن من النبي وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فأنا أصلي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" (١).

فسمَّى النبي الغلو في جانب العبادات والسنن التي سنها لهم رغبة عن الشرع الذي جاء به، وتبرأ ممن هذه حاله، حتى وإن كان الدافع لذلك التقرب إلى الله تعالى ذلك لأن هذا الغلو فيه هدم للأصل الثاني من أصول هذا الدين ألا وهو الإتباع فنحن مأمورون بالاقتداء به والأخذ بسنته. والغلو في هذا الجانب مناقض تماما لهذا الأصل، ولذلك فلا غرابة أن يتبرأ النبي ممن غلا في جانب ما سنه وشرعه للأمة.

لأنه لو فتح هذا الباب وولجته الأمة لأصبحت عبادة الله مجالا لأهواء الناس وعقولهم وبذلك يتلاشى دينها وتنطمس معالمه فتستحق بذلك غضب الله ومقته فتهلك كما هلكت الأم السابقة.

وعن أنس قال: دخل رسول الله المسجد فإذا حبل ممدود


(١) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح برقم (٥٠٦٣)، واللفظ له، ومسلم في كتاب النكاح، باب استحباب لمن تاقت له نفسه إليه برقم (١٤٠١).

<<  <   >  >>