للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونهى أن يحلف بغير الله، وأخبر أن ذلك شرك.

ونهي أن يصلى إلى القبر أو يتخذ مسجدا أو عيدا أو يوقد عليه سراج، بل مدار دينه على هذا الأصل - أي تجريد التوحيد - الذي هو قطب رحا النجاة، ولم يقرر أحد ما قرره بقوله وفعله وسد الذرائع المنافية له، فتعظيمه بموافقته على ذلك لا مناقضته فيه (١).

والغلو بشتى صوره وأشكاله مناف لأصلي التوحيد ويكفيك أن تعلم أن سبب عبادة الأصنام هو الغلو في المخلوق، وإعطاؤه فوق منزلته، حتى جعل فيه حظ من الإلهية، وشبهوه بالله سبحانه، وهذا هو التشبيه الواقع في الأمم الذي أبطله الله سبحانه، وبعث رسله وأنزل كتبه بإنكاره والرد على أهله. فهو سبحانه ينفي، وينهي، أن يجعل غيره مثلا له، وندا له وشبها له. لا أن يشبه هو بغيره إذ ليس في الأمم المعروفة أمة جعلته سبحانه مثلا لشيء من مخلوقاته، فجعلت المخلوق أصلا وشبهت به الخالق، فهذا لا يعرف في طائفة من طوائف بني آدم.

وإنما الأول هو المعروف في طوائف أهل الشرك، غلوا فيمن يعظمونه، ويحبونه، حتى شبهوه بالخالق وأعطوه خصائص الإلهية، بل صرحوا أنه إله، وأنكروا جعل الآلهة إلها واحدا وقالوا: ﴿واصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ﴾ [ص: ٦] وصرحوا بأنه إله معبود، يرجى، ويخاف، ويعظم، ويسجد له ويحلف باسمه، وتقرب له القرابين إلى غير ذلك من خصائص العبادة التي لا تنبغي إلا لله تعالى. فكل مشرك فهو مشبه لإلهه ومعبوده بالله سبحانه، وإن لم يشبه من كل وجه (٢).

فحقيقة الشرك هو التشبه بالخالق أو التشبيه للمخلوق به فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية.


(١) تيسير العزيز الحميد ص ٢٧٤.
(٢) إغاثة اللهفان (٢/ ٢٢٦).

<<  <   >  >>