للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشوق إلى لقائه ورؤيته، وإن مثقال ذرة من هذه اللذة لا يعدل بأمثال الجبال من لذات الدنيا ولذلك كان مثقال ذرة من إيمان بالله ورسوله يخلِّص من الخلود في دار الآلام فكيف بالإيمان الذي يمنع من دخولها (١).

ولهذا كان أعظم صلاح العبد أن يصرف قوى حبه كلها لله تعالى وحده بحيث يحب الله بكل قلبه وروحه وجوارحه فليس لقلب العبد صلاح ولا نعيم إلا بأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن تكون محبته لغير الله تابعة لمحبة الله، فلا يحب إلا لله.

كما في الحديث الصحيح: "ثلاث من كن فيه، وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" (٢)، فأخبر أن العبد لا يجد حلاوة الإيمان إلا بأن يكون الله أحب إليه مما سواه، ومحبة الرسول هي من محبته، ومحبة المرء إن كانت لله فهي من محبة الله، وإن كانت لغير الله فهي منقصة لمحبة الله مضعفة لها، وتصدق هذه المحبة بأن يكون كراهته لأبغض الأشياء إلى محبوبه - وهو الكفر - بمنزلة كراهته لإلقائه في النار أو أشد.

ولا ريب أن هذا من أعظم المحبة، فإن الإنسان لا يقدم على محبة نفسه وحياته شيئا، فإذا قدم محبة الإيمان بالله على نفسه بحيث لو خير بين الكفر وإلقائه في النار لاختار أن يلقى في النار ولا يكفر كان الله


(١) روضة المحبين (ص ١٦٥، ١٦٦، ١٦٨) بتصرف.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان برقم (٢١)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب خال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان برقم (٤٣).

<<  <   >  >>