للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القاضي عياض: "كفى بهذه الآية حضًّا وتنبيهًا ودلالة وحجة على لزوم محبته، ووجوب فرضها، واستحقاقه لها إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأمْرِهِ﴾ ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله" (١).

والمتأمل لهذه الآية يجد أن الأمر فيها لم يقتصر على وجود أصل المحبة لله ورسوله، بل لابد مع ذلك أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. وهذه المحبة لله تقتضي تحقيق العبودية له لأن العبادة هي الغاية التي خلق الله لها العباد من جهة أمره ومحبته ورضاه كما قال تعالى: ﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات] وبها أرسل الرسل وأنزل الكتب، وهي اسم يجمع كمال الحب لله ونهايته وكمال الذل لله ونهايته فالحب الخالي عن الذل والذل الخالي عن الحب لا يكون عبادة، وإنما العبادة ما يجمع كمال الأمرين ولهذا كانت العبادة لا تصلح إلا لله، وهي وإن كانت منفعتها للعبد والله غني عنها فهي له من جهة محبته لها ورضاه بها (٢).

وأما محبة الرسول فتقتضي تحقيق المتابعة له وموافقته في حب المحبوبات وبغض المكروهات. ومحبته متفرعة عن محبة الله تعالى وتابعة لها. فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله، ويكره ما يكرهه الله ورسوله، ويرضى ما يرضى الله ورسوله، ويسخط ما يسخط الله ورسوله وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض، فإن عمل بجوارحه شيئًا


(١) الشفا (٢/ ٥٦٣).
(٢) التحفة العراقية لشيخ الإسلام ابن تيمية (٤/ ١٢، ١٣) مطبوعة ضمن الرسائل المنيرية (بتصرف يسير).

<<  <   >  >>