للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخالف ذلك، بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه دل ذلك على نقص محبته الواجبة فعليه أن يتوب من ذلك ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة.

فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله، وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه فقال تعالى: ﴿فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فاعْلَمْ أنَّما يَتَّبِعُونَ أهْواءَهُمْ ومَن أضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ﴾ [القصص: ٥٠]، وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع، ولهذا يسمى أهلها "أهل الأهواء" (١).

والذنوب تنقص من محبة الله تعالى بقدر ذلك، ولكن لا تزيل المحبة لله ورسوله إذا كانت ثابتة في القلب، ولم تكن الذنوب عن نفاق كما في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب في حديث حمار (٢) الذي كان يشرب الخمر، وكان النبي يقيم عليه الحد فلما كثر ذلك منه لعنه رجل، فقال النبي : "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله" (٣) وفيه دلالة على أنا منهيون عن لعنة أحد بعينه، وإن كان مذنبا، إذا كان يحب الله ورسوله (٤).

ثانيا: ومن الآيات التي يستدل بها على وجوب محبة النبي قوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٦]، فالآية دليل على أن من لم يكن الرسول أولى به من نفسه فليس من المؤمنين، وهذه الأولوية تتضمن أمورًا:


(١) جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص ٣٦٦) بتصرف يسير.
(٢) هذا لقبه، واسمه: النعيمان بن عمرو بن رفاعة الأنصاري، وقيل إن القصة وقعت لابنه عبد الله. فتح الباري (١٢/ ٧٧)، والإصابة (٣/ ٥٤٠، ٥٤١).
(٣) أخرجه في كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة. انظر: فتح الباري (١٢/ ٧٥).
(٤) كتاب قاعدة في المحبة لشيخ الإسلام ابن تيمية (٧٢، ٧٣) بتحقيق محمد رشاد سالم.

<<  <   >  >>