ولقد كسب ابن الخطيب ثقة هذا السلطان الغرناطى، حيث قربه من مجلسه، وخلع عليه الجم من النعم، كما أنه أصبح أثيرا لديه، مودعا اياه أمانة سره وكتابته، وذلك لروعة هذه المكاتبات السلطانية التى دبجها له من جهة، ولنجاح سفاراته مع ملوك النصارى والمغرب من جهة أخرى، فقد بعثه عاهل غرناطة سفيرا الى أبى الحسن المرينى ملك المغرب عام ٧٤٩ هـ (١٣٤٨ م) .
ولما توفى السلطان أبو الحجاج يوسف قتيلا- فى يوم عيد الفطر ٧٥٥ هـ (١٩ أكتوبر ١٣٥٤ م) - خلفه فى الملك ولده السلطان محمد الخامس الغنى بالله، واستمر ابن الخطيب فى معاونة الوزير أبى النعيم رضوان على خدمة السلطان الجديد، كما تولى الوصاية على الأبناء القصر للسلطان المتوفى، ثم قام بسفارة الى السلطان «أبى عنان فارس المرينى» عام ٧٥٥ هـ ١٣٥٤ م، ولقد نجح ابن الخطيب فى مهمته هذه نجاحا عظيما، ذلك أن ملك المغرب استجاب للمطالب التى حملها ابن الخطيب لصالح ملك غرناطة، وفى مقدمتها العون الحربى لمقاومة أطماع ملك قشتالة.
ولقد ظفر ابن الخطيب بمكانة ممتازة لدى الغنى بالله، اذ منحه ثقته كأبيه من قبل، وخلع عليه لقب (ذو الوزارتين) ، لجمعه بين وزارة القلم ووزارة السيف.
ولكن حدث أن اندلعت الثورة بغرناطة، فى رمضان ٧٦٠ هـ ١٣٥٩ م، ونتج عنها فقدان السلطان الغنى بالله لملكه، واستيلاء أخيه الأمير اسماعيل على العرش، كما تمخضت هذه الثورة عن مقتل الحاجب أبى النعيم رضوان، ثم فرار الغنى بالله الى وادى آش «٥» ، وعليه فأصبح ابن الخطيب لا يملك من الأمر شيئا، غير أنه حاول أن يستميل السلطان الجديد، فقبله فى منصب الوزارة مؤقتا، ثم تشكك بعد قليل فى نواياه، وذلك بتحريض منافسيه وحساده، فقبض عليه، وصادر أملاكه، وبذلك فقد ابن الخطيب جاهه ونفوذه، بل ومتاعه بين عشية وضحاها.