لم تطل هذه النكبة بابن الخطيب، فقد بعث ملك المغرب السلطان أبو سالم سفيره (الشريف أبا القاسم التلمسانى) الى ملك غرناطة الجديد، يطلب اليه أن يسمح للملك المخلوع (الغنى بالله) ووزيره ابن الخطيب بمغادرة الأندلس الى المغرب ضيفين عزيزين، فرضخ سلطان غرناطة لهذا الطلب، سياسة منه فى الابقاء على أواصر الوداد مع بنى مرين، واحتفاظا بهم سندا لمستقبل الدولة الاسلامية بالأندلس. ولهذا أطلق سراح ابن الخطيب، ولحق بسلطانه، حيث لجأ إلى وادى آش، ومن ثم الى المغرب، ومعهما نفر كبير من الحاشية، فوصل الركب فاس فى محرم ٧٦٠ هـ (ديسمبر ١٣٥٨ م) حيث استقبلهما السلطان أبو سالم استقبالا حارا، واحتفل بقدومهم احتفالا عظيما، وألقى ابن الخطيب فى هذه المناسبة- بين يدى المضيف- قصيدته الشهيرة «٦» ، يستنصره ويستصرخه؛ ليعين سلطانه على أمره.
ويشهد ابن خلدون المؤرخ ذلك الحفل- بصفته من كبار رجال البلاط المرينى- فيصفه لنا ويقول:«إن ابن الخطيب استولى على سامعيه، فأبكاهم تأثرا» .
هذا وقد طاب العيش لابن الخطيب بالمغرب فى رعاية السلطان «أبى سالم» ، الذي أقطعه الأراضى، ورتب له الرواتب، حيث استقر فى مدينة «سلا»«٧» حوالى ثلاثة أعوام منفيا ٧٦٠- ٧٦٣ هـ (١٣٥٨- ١٣٦١ م) ، اقتنى خلالها الضياع والأموال، ولكن لم ينس- فى الوقت نفسه- نزعته الثقافية والتأليفية، فجاس خلال مدن المغرب دارسا باحثا، ملتقيا بالعلماء فى تجواله، وفى نهاية المطاف يرجع الى سلا، حيث يرابط بضاحية «شالة» ، قرب أضرحة ملوك بنى مرين.