الخطيب، وجاز البحر صحبة أسرة السلطان وأسرته، ثم وصل العاصمة، وهناك وجد من يزاحمه منصبه، وينافسه السلطة، وهو شيخ الغزاة (عثمان بن أبى يحيى) ، صاحب اليد على السلطان فى استرجاع العرش، فنشب خلاف بين الرجلين، وحقد كلاهما على الآخر، ولكن ابن الخطيب كان أشد مراسا بأساليب الكيد والدس، فتغلب على خصمه؛ اذ زين للسلطان خطورة نفوذ عثمان هذا، وبدأ يخيفه من غدره وغدر أشياعه، فاستجاب ابن الأحمر لنصح ابن الخطيب، وقضى على عثمان وآله فى شهر رمضان ٧٦٤ هـ- ١٣٦٣ م، وبذلك استرد ابن الخطيب كامل سلطته، دون مناوئ أو منافس، ولكن الى حين، فقد شعر مرة أخرى بما يحاك حوله من دسائس ومكائد، ورأى سلطانه يتأثر بسعاية الخصوم، وقد تزعم هذه الحملة الجديدة ضد ابن الخطيب رجلان وثيقا الصلة بالسلطان بحكم وضعيتهما فى الخدمة السلطانية، ولمكانتهما السياسية فى الدولة، وهما:
١) الشاعر محمد بن يوسف المعروف ب «ابن زمرك» تلميذ ابن الخطيب، ومعاونه فى الوزارة.
٢) قاضى الجماعة أبو الحسن على بن عبد الله النباهى، ولى نعمة ابن الخطيب.
وحينئذ شعر ابن الخطيب بخطورة موقفه عند السلطان، بين هذين الرجلين الداهيتين، فدبر أمره على مغادرة الأندلس نهائيا، دون أن يشعر السلطان مطلقا بذلك، وفعلا طلب منه أن يأذن له فى تفقد بعض الثغور والموانئ الأندلسية، فأجابه السلطان، وكان وزيرنا- من جانبه- قد أعد العدة للابحار الى المغرب، حيث يحل ضيفا لاجئا على السلطان أبى عنان فارس بن أبى الحسن المرينى، وقد تم له ذلك بوصوله الى جبل طارق، الذي كان يومئذ ضمن أملاك المرينيين، ونجحت الخطة، اذ استقبله قائد الميناء بحفاوة، وسهل له مهمته، بأمر من سلطان المغرب، وأجازه الى سبتة هو ومن معه من ولده، وقبل أن يودع هذه البقاع بعث برسالة مؤثرة الى السلطان الغنى بالله