يعلل فيها مسلكه هذا، ويبرر تصرفه الاضطرارى، وأخيرا يطلب غفرانه، راجيا عونه لأسرته التى خلفها وراءه فى غرناطة.
وصل ابن الخطيب الى سبتة ومنها التحق بتلمسان، مقر السلطان عبد العزيز الذي احتفى به وأكرمه، ثم بعث بسفرائه الى غرناطة، يلتمس من سلطانها ان يجيز أسرة ابن الخطيب، فأجابه ابن الأحمر الى طلبه، وكان ذلك عام ٧٧٣ هـ- ١٣٧١ م.
وكان من المتوقع أن يهنأ ابن الخطيب بهذا المقام بالمغرب، فالسلطان قد أحله مكانته اللائقة به، وأبدله مما فقد الشيء الكثير، ولكن- للأسف- اتخذ منافسوه بغرناطة من هربه- على هذه الصورة- مادة دسمة للكيد، وأكدوا للسلطان محمد الخامس ابن الأحمر ادانته، وعدم وفائه لولى نعمته، وزاد الاتهام تأكيدا أن ابن الخطيب كان حريصا على أن يحمل معه أمواله وذخائره الى المغرب، وفى هذا يخاطب القاضى النباهى غريمه- فى الرسالة المعروفة التى بعث بها اليه:«فهمزتم ولمزتم، وجمعتم من المال ما جمعتم، ... ، ثم هربتم بأثقالكم»«٩» .
كان القاضى النباهى فيما سبق من أنصار الوزير ابن الخطيب، بل إن تعيينه قاضيا للجماعة واستصدار ظهير هذا المنصب قد تم على يدى ابن الخطيب نفسه، كما نجد فى كتاب الاحاطة ترجمة للنباهى تنبئ عن تقدير ابن الخطيب لهذا الرجل؛ اذ ينعته بأنه «قريع بيت مجادة وجلالة، وبقية تعين وأصالة، عف النشأة، طاهر الثوب، مؤثر للوقار والحشمة، بعيد الغور، مرهف الجوانب، ناظم، ناثر، نثره يشف عن نظمه، ذاكر للكثير، بعيد المدى فى باب النزاهة، ماضي غير هيوب ... الخ» ، ولكن ذلك «النباهى» تنكر تماما لابن الخطيب، ولم يحفظ له هذا الجميل؛ فقد آزر الوزير «ابن زمرك» ضده، وسعى سعيا حثيثا فى سبيل القضاء عليه، وتتجلى هذه الروح الشريرة، وما يمليه الحقد الشخصى، والضغائن الدفينة، فى تلك