الحكم، وبعث القاضى أبو الحسن بنوابه الى السلطان عبد العزيز وبأيديهم هذا الحكم، فقابل السلطان رسل غرناطة بالاستنكار، وخاطبهم قائلا:«هلا أنفذتم فيه حكم الشرع وهو عندكم، وأنتم عالمون بما كان عليه!!!» وبالغ فى اكرام ابن الخطيب، وأضفى عليه مزيدا من عنايته.
وتجدر الاشارة هنا الى أن ابن الخطيب قد لاحظ وقتئذ قوة المغرب فى عهد صديقه السلطان عبد العزيز، ومبلغ العداء بين فاس وغرناطة وقد بلغ أوجه، فحرض السلطان على ضم غرناطة لمملكته، وقد رمى من وراء ذلك الى سحق أعدائه هناك، وتأمين مقامه بالمغرب، وما يتبع ذلك من حماية مصالحه.
ويظهر أن هذه السياسة قد لاقت قبولا عند السلطان عبد العزيز، فصمم على تنفيذها، وفى ذلك يقول ابن خلدون: «ثم تأكدت العداوة بينه (ابن الخطيب) وبين ابن الأحمر، فرغب السلطان عبد العزيز فى ملك الأندلس وحمله عليه، وتواعدوا لذلك عند رجوعه من تلمسان الى المغرب «١١» » ، وبلغت ابن الأحمر رغبة ملك المغرب هذه، فتخوف لذلك كثيرا، وأسرع الى ايفاد رسله بالهدايا والتحف الثمينة الى بلاط فاس، آملا فى نيل رضا السلطان عبد العزيز، واتقاء شره. ثم تفاجئ الظروف الموقف، فيموت السلطان عبد العزيز بعدئذ بقليل، ويجلس على عرش المغرب ابنه «أبو زيان محمد السعيد» طفلا فى الرابعة من عمره، فى ربيع الآخر ٧٧٤- ١٣٧٢ م، وقبض على زمام السلطة الفعلية وزيره «أبو بكر بن غازى» ، فتغيرت الأوضاع السياسية بالمغرب تماما، واضطر ابن الخطيب حينئذ أن يتزلف الى الملك الطفل ووزيره، فألف كتابه المعروف باسم «أعمال الأعلام، فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام» ، وفيه يبرر هذا الوضع الجديد شرعا، وعرفا وتاريخا، وأورد لذلك الأشباه والنظائر، ردا على المناهضين بالمغرب، وخاصة بنى الأحمر وعملائهم.