قال الشعراني:"صحبته أربعين سنة، فما رأيت عليه ما يشينه في دينه، بل نشأ في عفة وصيانة وعلم وأدب وديانة، وما رأيت أحداً أحلى منطقاً منه، ولا أكثر أدباً مع جليسه منه، حتى يودّ أنه لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً".
وبالجملة، فلم يكن هناك من يضاهيه في زمانه في مذهبه، ولا من يماثله في منصبه، وهو الإمام البارع في الفقه الحنبلي وأصوله، وصاحب اليد الطولى والباع الكبير في تحرير الفتاوى وتهذيب الأحكام، وقد ظل مكبّاً على العلم، ينهل من معينه، ويدرس ويصنف ويفتي مذهب الإمام أحمد ويحرره إلى أن أتاه المرض الأخير الذي وافته المنية فيه، وذلك عصْر يوم الجمعة الثامن عشر من صفر سنة ٩٧٢هـ، فصلى عليه ولده موفق الدين بالجامع الأزهر، ودفنه بقرافة المجاورين.
أما مصنفاته، فأشهرها كتاب "منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح والزيادات" في فروع الفقه الحنبلي، وهو عمدة المتأخرين في المذهب، وعليه الفتوى فيما بينهم، إذ حرر مسائله على الراجح والمعتمد من المذهب، وفد اشتغل به عامة طلبة الحنابلة في عصره، واقتصروا عليه.. ثم شرحه شرحا مفيداً يقع في ثلاثة مجلدات، أحسن فيه وأجاد، وكان غالب استمداده فيه من كتاب "الفروع" لابن مفلح، وقد طبع هذا الكتاب طبعة علمية مدققة بتحقيق الأستاذ الشيخ عبد الغني محمد بن عبد الخالق جزاه الله خير، ومن أبرز شروح المنتهى وأجودها شرح العلامة منصور بن يونس البهوتي المتوفى سنة ١٠٥١هـ، شيخ الحنابلة في عصره، وذلك في ثلاث مجلدات كبار، وهو مطبوع مشهور متداول.
وأما في أصول الفقه، فله كتاب "الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير" ذكر أنه اختصره من كتاب "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" للقاضي علاء الدين على بن سليمان بن أحمد المرداوي المقدسي المتوفى سنة ٨٨٥هـ، محرر أصول المذهب وفروعه، قال الفتوحي:"وإنما وقع اختياري على اختصار هذا الكتاب دون بقية كتب هذا الفن، لأنه جامع لأكثر أحكامه، حاو لقواعده وضوابطه وأقسامه، قد اجتهد مؤلفه في تحرير نقوله وتهذيب أصوله".
وقد ضمَّ هذا المختصر مسائل أصله، مما قدَّمه المرداوي من الأقوال، أو كان