للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: قِيلَ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: إنْ أَرَدْت اخْتِلافَ أَجْنَاسِهَا، فَهَذَا مُسَلَّمٌ وَلا يَنْفَعُك١، وَإِنْ أَرَدْت اخْتِلافَ قَدْرِهَا وَصِفَتِهَا فَمَمْنُوعٌ، لأَنَّا لا نُسَلِّمُ أَنَّ الطَّلَبَ الْحَاصِلَ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ مَعَ الصَّوْتِ الْجَهْوَرِيِّ مُمَاثِلٌ لِلطَّلَبِ بِاللَّفْظِ الأَعْجَمِيِّ٢ مَعَ الصَّوْتِ الضَّعِيفِ. وَهَذَا لأَنَّ الْقَائِمَ بِالنَّفْسِ قَدْ يَتَفَاوَتُ، فَيَكُونُ طَلَبٌ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ وَأَكْمَلُ.

الثَّانِي ٣: هَبْ أَنَّ الْمَدْلُولَ مُتَّحِدٌ وَالدَّالَّ مُخْتَلِفٌ. لَكِنْ لِمَ لا يَجُوزُ وُجُودُ الْمَدْلُولِ مَشْرُوطًا بِالدَّلِيلِ؟ فَهُوَ وَإِنْ غَايَرَهُ لَكِنْ لا يُوجَدُ إلاَّ بِوُجُودِهِ. أَلا تَرَى أَنَّ كَوْنَ الإِنْسَانِ مُخْبِرًا لِغَيْرِهِ لا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَمْرٍ ظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى مَا فِي بَاطِنِهِ مِنْ الْمَعْنَى. وَذَلِكَ الأَمْرُ الظَّاهِرُ وَإِنْ اخْتَلَفَ، لَكِنْ لا يَكُونُ مُخْبَرًا إلاَّ بِهِ. وَإِذَا لاحَ لَك ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ كَوْنِ الْمَعْنَى مُغَايِرًا كَافِيًا ٤فِي مَطْلُوبِهِ٦.

وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْمَعْنَى قَائِمٌ بِالرُّوحِ، وَاللَّفْظُ قَائِمٌ بِالْبَدَنِ، ثُمَّ إنَّ وُجُودَ الرُّوحِ فِي هَذَا الْعَالَمِ لا يُمْكِنُ إلاَّ مَعَ الْبَدَنِ. وَأَيْضًا فَكَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُتَلازِمَيْنِ دَلِيلاً عَلَى الآخَرِ لا يَقْتَضِي ذَلِكَ وُجُودَ الْمَدْلُولِ بِدُونِ الدَّلِيلِ، كَالأُمُورِ الْمُتَضَايِفَةِ، كَالأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ. قَالَ الرَّازِيّ:

"الْوَجْهُ الثَّانِي": أَنَّ جَمِيعَ الْعُقَلاءِ يَعْلَمُونَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ:


١ في هامش ز: ينفك.
٢ في ع ض: العجمي.
٣ في ع: والثاني.
٤ في ع: لمطلوبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>