للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ: {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} فِيهِ شَيْئَانِ: الْجَمْعُ وَالتَّأْكِيدُ بِالْكَمَالِ. وَجَوَابُ الْجَمْعِ: رَفْعُ الْمَجَازِ الْمُتَوَهَّمِ فِي الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ؛ إذْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنًى "أَوْ" مَجَازًا. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولِيْ أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} ١، وَالتَّأْكِيدُ أَفَادَ عَدَمَ النَّقْصِ فِي الذَّاتِ، كَمَا٢ قَالَ تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} ٣، أَوْ عَدَمَ النَّقْصِ فِي الأَجْرِ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ النَّقْصِ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ.

وَوَصْفُ النَّفْخَةِ بِالْوَاحِدَةِ إبْعَادٌ لِلْمَجَازِ وَتَقْرِيرٌ لِوَحْدَتِهَا بِسَبَبِ الْمُفْرَدِ؛ لأَنَّ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ بِالْجِنْسِ.

وَقَوْلُهُ: {إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} قَالَ صَاحِبُ "الْمَثَلِ السَّائِرِ٤": التَّكْرِيرُ فِي الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. كَدَلالَتِهِ عَلَى الْجِنْسِ وَالْعَدَدِ، وَهُوَ بَابٌ مِنْ "التَّكْرِيرِ مُشْكِلٌ؛ لأَنَّهُ يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ أَنَّهُ تَكْرِيرٌ مَحْضٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ٥. وَلَيْسَ كَذَلِكَ٦".

فَالْفَائِدَةُ إذًا فِي قَوْلِه: ِ {إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} و"َإِلَهٌ وَاحِدٌ": هِيَ أَنَّ الاسْمَ الْحَامِلَ لِمَعْنَى الإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ دَالٌّ عَلَى الْجِنْسِيَّةِ وَالْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ. فَإِذَا أُرِيدَتْ الدَّلالَةُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَكَانَ الَّذِي يُسَاقُ إلَيْهِ هُوَ الْعَدَدُ شُفِعَ بِمَا يُؤَكِّدُهُ. وَهَذَا دَقِيقُ الْمَسْلَكِ.


١ الآية الأولى من فاطر.
٢ ساقطة من ش.
٣ الآية ٢٣٣ من البقرة.
٤ المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، لضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد، ابن الأثير الجزري، أبو الفتح، المتوفى سنة ٦٣٧هـ، جمع فيه ما يتعلق بفن الكتابة. انظر: كشف الظنون ٢/ ١٥٨٦.
٥ المثل السائر ٣/ ٢٥.
٦ انظر بحث التكرار لبيان فائدة تكرير المعاني والألفاظ في كتاب "المثل السائر ٣/ ٣ وما بعدها. البرهان في علوم القرآن ٣/ ١١ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>