للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فَصْلٌ"

لَمَّا كَانَتْ الْعُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ وَالنَّظَرِيَّةُ لا تُدْرَكُ بِدُونِ الْعَقْلِ، أَخَذَ فِي الْكَلامِ عَلَيْهِ، فَقَالَ:

"الْعَقْلُ: مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَيْزُ" أَيْ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ، قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": قَالَهُ صَاحِبُ "رَوْضَةِ الْفِقْهِ" مِنْ أَصْحَابِنَا. وَهُوَ شَامِلٌ لأَكْثَرِ الأَقْوَالِ الآتِيَةِ١.


١ اختلف العلماء في تعريف العقل وحقيقته اختلافاً كثيراً، ولعل أجمع وأدق ما قيل فيه قول الغزالي ومن وافقه بعدم إمكان حده بحد واحد يحيط به، لأنه يطلق بالاشتراك على خمسة معان: "أحدها" إطلاقه على الغريزة التي يتهيأ بها الإنسان لدرك العلوم النظرية وتدبير الأمور الخفية. "والثاني" إطلاقه على بعض الأمور الضرورية. وهي التي تخرج إلى الوجود في ذات الطفل المميز بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات. "والثالث" إطلاقه على العلوم المستفادة من التجربة. فإنّ من حنكته التجارب يقال عنه أنه عاقل. من لا يتصف بذلك يقال عنه غبي جاهل. "الرابع" إطلاقه على ما يوصل إلى ثمرة معرفة عواقب الأمور، بقمع الشهوات الداعية إلى اللذات العاجلة التي تعقبها الندامة. فإذا حصلت هذه القوة سمي صاحبها عاقلاً. "والخامس" إطلاقه على الهدوء والوقار. وهي هيئة محمودة للإنسان في حركاته وكلامه. فيقال: فلان عاقل. أي عنده هدوء ورزانة. "انظر المستصفى ١/ ٢٣، إحياء علوم الدين ١/ ١١٨، عمدة القاري ٣/ ٢٧١، المسودة ص٥٥٨".
وقد ذكر الراغب الأصبهاني وغيره أن العقل يطلق على القوة المتهيئة لقبول العلم، كما يقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة. فكل موضع ذم الله الكفار بعدم العقل، فأشار إلى الثاني. وكل موضع رفع التكليف عن العبد لعدم العقل، فأشار إلى الأول. "المفردات في غريب القرآن ص٣٤٦، الكليّات ص٢٤٩".
ولمعرفة أقوال العلماء وتفصيلاتهم في موضوع العقل انظر "إحياء علوم الدين ١/ ١١٧ وما بعدها، كشاف اصطلاحات الفنون ٤/ ١٠٢٧ وما بعدها، الحدود للباجي ص٣١ وما بعدها، الكليات ص٢٤٩، التعريفات للجرجاني ص١٥٧ وما بعدها، المسودة ص٥٥٦ وما بعدها، عمدة القارى ٣/ ٢٧٠ وما بعدها، كشف الأسرار للبخاري ٢/ ٣٩٤، ٤/ ٢٣٢، مفردات الراغب ص٣٤٦، فتح الرحمن وحاشية العليمي عليه ص٢٠، ٢٣، ذم الهوى لابن الجوزي ص٥، مائية العقل للمحاسبي ص٢٠١ وما بعدها، أدب الدنيا والدين للماوردي ص٢ وما بعدها، أعلام النبوة للماوردي ص٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>