قال الإمام البخاري في "خلق أفعال العباد" (٢/ ٧٠): "سمعت عبد الله بن سعيد يقول: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة. قال أبو عبد الله: حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بخلق". ولما كان هذا اللفظ فيه نوع اشتباه والتباس، وذريعة لأهل البدع إلى القول بخلق القرآن، حذر الإمام أحمد من كِلَا الإطلاقين. قال محمد بن جرير في صريح السنة (ص ٢٥ - ٢٦): "وأما القول في (ألفاظ العباد بالقرآن) فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى، ولا تابعي قضى، إلا عمن في قوله الغَناء والشفاء، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله لدينا مقام قول الأئمة الأولى: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: "اللفظية جهمية لقول الله جل اسمه: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} فممن يسمع؟ ثم سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه أنه كان يقول: "من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: هو غير مخلوق فهو مبتدع". ولا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله، إذ لم يكن لنا إمام نأتم به سواه وفيه الكفاية والمقنع وهو الإمام المتبع". قال الإمام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف (ص ١٧٢ - ١٧٣) معلقًا على ما قاله الإمام أحمد: "والذي حكاه عن أحمد: أن اللفظية جهمية، فصحيح عنه، وإنما قال ذلك لأن جهمًا وأصحابه صرحوا بخلق القرآن، وخافوا أهل السنة -في ذلك الزمان- من التصريح بخلق القرآن؟ فذكروا هذا اللفظ، وأرادوا به أن القرآن بلفظنا مخلوق، فلذلك سماهم أحمد جهمية، وحُكي عنه أيضًا أنه قال: "اللفظية شر من الجهمية".=