للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأصَحُّ ما وَقَفْتُ عليهِ في شأنِ ما تقدَّمَ، قولُ الإمامِ عاصِمِ بنِ أبي النَّجودِ:

أوَّلُ مَن وَضَعَ النَّحْوَ أبو الأسْوَدِ الدُّؤَليُّ، جاءَ إلى زِيادٍ (١) بالبَصْرَةِ، فقالَ: إنِّي أرى العَرَبَ قدْ خالَطَتْ هذهِ الأعاجِمَ وتغيَّرَتْ ألْسِنَتُهُم، أفتأذَنُ لي أن أضَعَ للعَرَبِ كَلاماً يَعْرِفونَ أو يُقيمُونَ بهِ كَلامَهُم؟ قالَ: لا، فجاءَ رَجُلٌ إلى زِيادٍ، فقالَ: أصْلَحَ اللهُ الأميرَ، تُوفِّيَ أبانا وتَرَكَ بَنوناً، فقالَ زِيادٌ: تُوفِّيَ أبانا وتَرَكَ بَنوناً! ادْعُ لي أبا الأسْوَدِ، فقالَ: ضَعْ للنَّاسِ الَّذي نَهَيْتُكَ أن تَضَعَ لهُم (٢).

قالَ الأديبُ مُحمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ الجُمَحيٌّ:

"كانَ أوَّلَ مَنْ أسَّسَ العربيَّةَ وفتَحَ بابَها وأنْهجَ سَبيلَها ووَضَعَ قِياسَها أبو الأسْوَدِ الدُّؤَليُّ ... ، وإنَّما قالَ ذلكَ حينَ اضْطَرَبَ كَلامُ العَرَبِ، فغَلَبَتِ السَّليقيَّةُ (٣)، ولم تَكُن نحويَّةً، فكانَ سَراةُ الناسِ يَلْحَنونَ ووُجوهُ النَّاسِ، فوَضَعَ بابَ الفاعِلِ،


(١) هوَ زِيادُ بنُ أبيهِ الثِّقفيُّ والي العِراق، مات سنة (٥٣هـ).
(٢) أثَرٌ جيِّدُ الإسْنادِ. أخرَجَهُ ابنُ الأنْباريِّ في "الوقف والابتداء" (١/ ٤٢ - ٤٣ رقم:٦١).
(٣) السَّليقيَّة: يعني ما يأتي بالسَّليقَة من غير قَصدِ إعرابٍ ولا تجنُّبِ لَحْنٍ.

<<  <   >  >>