للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إطلاقُ القَوْل بأنَّ الحُروفَ غيرُ مخلوقةٍ، لئلا يتوهَّمَ متوهِّم أنَّ الحُروفَ التي هي مَباني كَلام الناس غيرُ مخلوقةٍ، والذي يجرُّ إلى القول بأنَّ ما يتكلَّمُ به العبادُ مِن كلام أنفُسهم هو نفسُه كلامُ الله، فيتحقَّقُ حينئذ للمَلاحِدَة كابن عربي الطائي وأمثاله صِحَّةُ قولِهم:

وكلُّ كَلامٍ في الوجودِ كلامُهُ ... سَواء علينا نَثْرُه ونِظامُهُ

وهذا القولُ من أفحَش الباطِل، وأكفَر الكُفْرِ، إذ مَعْناه أنَّ كلَّ ما تلفِظُ به الخَلائق من الصِّدْق والكَذِبِ، والزُّورِ، والبُهْتان، وألفاظِ الخَنا والفُجور والكُفْر، كلامُ الله.

وحينئذ لا يتميَّزُ حَقٌّ من باطلٍ، ولا صِدْقٌ من كَذبٍ ولا كفرٌ من إيمانٍ.

وإنَّما الحَقُّ والصَّوابُ أن يُقالَ:

إنَّ الحَرْفَ المجرَّد الَّذي هو جزءٌ من اللفظ، مثل: (ز) من كلمة: (زيد) لا يُقالُ فيه مخلوقٌ ولا غيرُ مخلوق, لأنَّ الحرْفَ المجرَّدَ ليس كَلاماً، وإنَّما يقَع الكلام فيما ألّفَ من الحروفِ فأفادَ مَعنًى، ككلمةِ (زيد) اسمُ عَلَمٍ مَعْروفٌ (٤٤).


(٤٤) فإن اعترض معترض بقوله تعالى: (الم)، (الر)، (ص) , (ن)، وما يشبهها مما جاء في أوائل بعض السور، وقال: إنَّها حروف، ونطلق أنَّها غيرُ مخلوقة لأنَّها كلام الله، فالجواب: أنَّ هذه ليست حروفاً مجردة، كحروف كلمة (زيد) وغيرها من الكلام المؤلف، وإنَّما هي أسماء للحروف، ألا ترى أنَّك تقرؤها: (ألف، لام، ميم ...)؟ فلو كان حرفاً مجرداً لقلت: (أ. لْ. مْ) فهي على ما تُلْفَظ وتُسْمَع لا على ما تُكْتب وترسم، وقد نقل شيخ الإِسلام أنَّ الخليل بن أحمد -إمام العربية- سأل =

<<  <   >  >>