والرسولُ يقتَضي مُرْسِلاً وَمُرْسَلاً به، والمُرْسِل هو الله تعالى، والمرسَلُ به كلامُه ووحيُهُ، لا معنى للرسالةِ إلاَّ هذا.
قالَ ابن قُتيبة رحمه الله:"لم يُرِد أنَّه قولُ الرَّسولِ، وإنَّما أرادَ أنَّه قولُ رَسولٍ عن الله جَلَّ وَعَزَّ، وفي الرَّسولِ ما دلَّ على ذلك، فاكتفى به من أن يقولَ: عن الله"(١٠).
والثاني: أنَّه لَوْ كان الرَّسولُ قدْ أنشَأهُ لمَا كانَ أميناً على رِسالتهِ، لأنَّ المُرسِلَ ائتمَنَه على تبليغ كلامهِ على وَجْهِهِ بألفاظِهِ وَمَعانيه -لأنَّ الكلامَ لا يكونُ إلاَّ كذلكَ كما سبقَ تقريرُه في الباب الأوَّل- فأنشَأ له الرَّسول نَظْماً آخرَ، وهذا خِيانةٌ للأمانَةِ.
والثالث: أنَّه لو كانَ من إنشاءِ أحَدِ الرَّسولين لامتنعَ أن يكونَ من إنشاءِ الآخر -كما سَبَق قريبًا-
والرابع: أنَّ الله تعالى قالَ عقبَ إضافةِ القَوْلِ إلى الرَّسولِ الكَريم في سورة الحاقَّة، وبعدَ أنْ نزَّهَه أن يكونَ قولَ شاعرٍ أوكاهنٍ {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فجَعلَ ابتداءَهُ منه لا مِنْ محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-, ولا من جبريلَ عليه السَّلام، يُجَلّيه ويوضِّحُهُ قولُهُ فى الشعراء: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} فَبيَّن أنَّ المنزَلَ بلسانٍ عربيٍّ مُبينٍ -واللّسانُ: اللُّغة- هَو الذي نزلَ به الرُّوحُ الأمينُ جبريلُ من عندِ رَبِّ العالَمين تعالى، فبانَ بهذا أنَّه قولُه تعالى وكلامُهُ ووحيُهُ.