للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَكَانَ أمرُ اللهِ قَدراً مَقْدُوراً} فالأمرُ ههنا هو المأمورُ، وهذا يُحْمَع على: (أمور) وهو مخلوق.

وسبق أن ذكَرْتُ في الباب السابق أنَّ صيغةَ المَصْدَر قد تَرِدُ بمعنى المفعولِ في كلام العَرَب.

قال شيخ الإِسلام: "ففي قوله: {وَكَانَ أمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً} المرادُ به المأمورُ به المقدورُ، وهذا مخلوقٌ، وأمَّا في قوله: {ذلِكَ أمْرُ اللهِ أنْزَلَهُ إِليْكمْ} [الطلاق: ٥] فأمرُهُ كلامُهُ، إذ لَمْ يُنْزِلْ إلينا الأفعالَ التي أمَرنا بها، وإنَّما أنزلَ القرآنَ، ولهذا كقولهِ: {إِن اللهَ يأمُرُكُمْ انْ تُؤدوا الأمَانَاتِ إلى أهلِهَا} [النساء: ٥٨] فهذا الأمرُ هو كلامُهُ" (١٤).

قلتُ: ونظيرهُ لفظُ (الخَلْق) فإنَّه يأتي مَصْدراً فهو حينئذٍ فِعْلُ الربّ تعالى وصفتُهُ، ويأتي مفعولاً فهو حينئذٍ المخلوقُ الذي وقعَ عليه فِعْلُ الخَلْق.

فليس لفظُ (الأمْر) إذاً على ما قالت الجَهْميةُ المعتزلةُ من اختصاصهِ بالمَفعول المقدورِ.

• الشبهة الخامسة:

سمَّى الله تعالى عيسى (كلمتَه) فقال: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} [النساء: ١٧١] وقال: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [آل عمران: ٤٥] وعيسى مخَلوقٌ، فالكلمةُ مَخلوقةٌ.


(١٤) "مجموع الفتاوي" ٨/ ٤١٢.

<<  <   >  >>