للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفَهِمَ ما شَبَّهَ به المعتزلةُ الجَهمية على الناس، فإنَّه لا يَرتابُ في كُفْرِهم الأكبرِ المُخْرِج من الإِسلام.

فإنْ قيلَ: ألَيْسوا يشهدونَ أن لا إله إلاَّ الله؟

قُلنا: بلى، ولكنَّهم نقَضوها بقولِهم: مخلوقةٌ، ونَقَضوها بتكذيبِ القرآنِ، وبنَفي صفاتِ ربِّ العالَمين، ووصْفهِ بالعَجْز والنقصِ، بل وصْفِهِ بالعَدَم، فأيّ توحيدٍ بعد هذا؟

فإن قيلَ: هذا الِإمام أحمد رحمه الله وهو من أشدِّ النَّاس في هذه المسألةِ، ولَقِيَ بسَبَبها ما لَقِيَ، لم يكفّر المأمونَ، ولا المعتصمَ، ولا الواثقَ، بل ربَّما دعا لبَعضِهم، وأقرَّ بإمْرَةِ المُؤمنين، وكانوا حملةَ رايةِ الفتنةِ بخلْق القرآن، فلو كانَ كُفْرًا مُخْرجاً من الإِسلام لما دَعا، أو عَفَا، أو أقرَّ بإمرةِ المؤمنينَ.

قُلْنا: هذا جَهْلٌ من المعترض بحقيقةِ الأمر، فإنَّ إطلاقَ التكفير ليس كتَعيينهِ، إذ الحكْمُ به على المعيّن قد يتخلَّفُ لمعنى، كتأويلٍ، أو جَهْلٍ، أو إكراهٍ، فإنَّه يقال: من قالَ كذا كفَر، ومَن اعتقدَ كذا فهو خارجٌ من الإِسلام، وليسَ معناه أنَّا إذا وجَدْنا مُسلمًا وقعَ في ذلك استحقَّ وصفَ الكُفْر به، حتى نعلمَ يقيناً أنْ قد بلَغتْهُ الْحُجَّةُ الشَّرعيةُ التامَّةُ الواضِحةُ، فانتفى جهلُه بذلك، ولم يبقَ في نفسهِ نوعُ تأويلٍ، وهذا أمرٌ يَعْسُرُ في الغالبِ، ولذا لم يكن من هَدْي السَّلَف تكفيرُ المُعيَّن حتى يوجَد مُقتضى التكفير، وتنتفي موانِعُه، ألستَ ترى تكفيرهم للجَعْدِ وَجَهْمٍ والمِرِّيسيّ؟ كفّروهم بأعيانهم لانتفاءِ الجَهْل والتأويل، لِما تضمَّنَتْ أقوالُهمِ من صَرَاحَة الكُفْر، وألسْتَ ترى تكفيرَ الشافعيّ رحمه الله حَفصاً الفَرْد؟ كان بعدَ مناظرةٍ

<<  <   >  >>