للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثامن: مُسمَّى (الكلام) و (القول) ونحوهِما ليسَ ممَّا يُحتاج في تفسيره إلى قولِ شاعر، بل ولا ألْفِ شاعر، فإنَّه ممَّا قد عُلِمَ ضرورةً، إذ هو ممَّا تكلَّمَ به الأوّلونَ والآخرونَ من أهْل اللّسانِ، وعَرَفوا معناه في لُغَتهم.

واللُّغة إنَّما تُسْتفَاد من استعمالِ أهلِها لها في كلَامهم، لا تُسْتَفاد مِمَّا يُذْكَر من الحُدودِ والتَّعريفات، بأن يقال: (الرأس كذا ... الكلام كذا ...) (١٢).

فالحاصِلُ: أنّ الاحتجاجَ بهذا الشِّعْر ظاهرُ الفَسادِ، وفَسادُهُ أبْيَنُ وأظهرُ من تكلّفِ التفصيل له، والقومُ استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خَيْرٌ، فترَكوا نصوصَ الوَحْي الصَّريحةَ لقَوْلِ نَصْرانيٍّ كافرٍ، لم يُحَقِّقوه صِحَّةً، لا رِوايةً ولا دِرايةً.

قال الِإمام أبو المَعالي أسْعَدُ بن المُنَجّا شيخُ الحَنابلة:

كنتُ يوماً عندَ الشَّيخ أبي البَيان (نَبأ بن محمَّد بن مَحفوظ القُرَشي الشّافعي) رحمه الله تعالى، فجاءَه ابن تَميم الذي يُدعى الشيخ الأمين، فقالَ له الشيخ بعدَ كلام جَرى بينهما: "ويحَكَ، الحنابلة إذا قيل لهم: ما الدَّليلُ على أنَّ القرآنَ بحَرْفٍ وصَوْتٍ؟ قالوا: قال الله كذا، وقال رسولُهُ كذا -وسرد الشيخُ الآياتِ والأخبارَ- وأنتم إذا قيل لكم: ما الدَّليلُ على أنَّ القرآنَ معنى قائم في النَّفس؟ قلتُم: قالَ الأخطل:

إنَّ الكلامَ لَفِي الفؤادِ ...

أيش هذا الأخطل؟ نَصْرانيٌّ خَبيثٌ، بَنَيْتُم مذهَبَكم على بيتِ شعرٍ


(١٢) انظر: كتاب "الإِيمان" لشيخ الإسلام ص: ١٣٢ - ١٣٤.

<<  <   >  >>