بالحُروف وأداؤُه لَها، وهو فِعْلُهُ عليه السَّلام، وهو مخلوقٌ، أمَّا الحروفُ التي نَطَقَ بها وأدّاها، والتي لو شاءَ العَادُّ أن يَعُدَّها أحصاها, لوُضوح أدائهِ لها وبَيانهِ، فهي حُروفُ كلام الله العربيّ المُنْزَلِ من عندهِ، وهي غيرُ مخلوقةٍ، وهذا الفَصْلُ بين الحُروفِ والنُّطقِ بها بيّنٌ لا يَخفى.
إمَّا أنْ يُثْبِتوا أنَّ الذي تَلاهُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِن كلام الله الذي هو صفتُهُ، فيُبْطلوا أصلَهم, لأنَّ كلامَ الله عندَهم لا يُحَدُّ ولا يُعَدُّ وليس هو آياتٍ وسوراً.
وإمَّا أنْ يقولوا: الحروفُ صفةُ قراءةِ القارىءِ، ورَأوْا هذه أوفقَ لمذهبِهم، فكابَروا وقالوا: هي صفةٌ لقراءةِ القارىءِ، لا صِفَةٌ لكلام البارىء.
وأمَّا وَصْفُ كلام الله بالصَّوْتِ، فلقد عَمُوا عن فِقْههِ، وضلَّوا عن معرفتهِ، فحَسِبوا أنَّ قولَ أهل السُّنَّة بإثباتِ كلام الله تعالى بصَوْتٍ إثباتُ أنَّ أصواتَ التالينَ هي صفةُ كلام الله -كما طَعَنوا فيه على أهْلِ السُّنَّة، ونبزوهم بالألقاب لأجلِهِ- وحاوَلوا لأجْلِ هذا الفَهْم السَّقيم أنْ يستدلّوا بأدلَّةِ إضافةِ الصَّوْتِ إلى القارىءِ، وجَعْلِهِ مِن فِعْلِهِ، وأهلُ السُّنَّةِ والأثمَّةُ لا يُخالفونَ في هذا المعنى، فإنَّ أصواتَ القرّاءِ بالقرآنِ مِنْ أفعالِهم، وهي مضافةٌ إليهم، وأفعالُهم مخلوقةٌ وقدْ شَرَحْتُ اعتقادَ أهل السُّنًّة في ذلك في أواخر الباب الثاني بما هذا حاصلُه.