والسَّلَفُ والأئمَّةُ لا يقولونَ: إنَّ أصواتَ القرَّاءِ صفةٌ لكلامِ الله، ومَن قالَ ذلك ونقلَهُ عنهم فقد أبطَلَ في المَقال.
ولكنَّ الصَّوْتَ الذي هو صفةٌ لكَلام الله تعالى هو الذي سَمِعَه موسى حين ناداه ربُّه وكلَّمَه، وسَمِعَهُ جبريلُ عليه السَّلام حينَ يُوحى إليه بالوَحْي، ويَسْمَعُه العبادُ يومَ القيامةِ، وهو الذي أثْبَتْناهُ في اعتقادِ السَّلَفِ في الباب الأوَّل من هذا الكتاب.
وقَدْ فَهِمَ بعضُ الأشعرية هذا المعنى الأخيرَ -الذي هو اعتقادُ السَّلف والأئمَّةِ- فرَأوْا أنَّه ليسَ على أصْلِهم في كَوْن كلام الله معنًى مُجَرداً، فنفَوْهُ، وقالوا: كلام الله لا يكون بصَوْتٍ، وأبْطَلوا بذلكَ دلائلَ الكتابِ والسُّنَّةِ والمَعقول الصَّريح على صِحَّةِ هذا المعنى، على ما ذَكَرْناه آنفاً في تفسيرهم لسَماع موسى عليه السلام كلامَ الله.
ولا داعيَ هنا لسَرْدِ دلائل الكتاب والسُّنَّة والعَقْل الصَّريح على إثباتِ كَوْن كلام الله تعالى حُروفاً، وأنَّه يتكلَّمُ بصَوْتٍ، اكتفاءً بما سقناه لذلك في الباب الأوَّل.
وأما الرابع:
فكَوْنُ الحُروف متناهيةٌ محدودةٌ لها بدايةٌ ونِهايةٌ وأوَّلٌ وآخِرٌ يُوردونَه على مَعْنَيين:
الأوَّل: على عَدَد الحُروفِ العربية التي هي حروف المُعْجَم.
والثاني: على الكَلام العربيّ الذي بين دَفَّتَي المُصْحَف المبدوءِ بالفاتِحةِ والمَخْتومِ بالناس.