قالوا: وجميعُ هذا مَحْصورٌ مَحدودٌ، وهذه علامَةُ الحَدَث.
قُلْنا: كَلاَّ، بَلْ كِلاَ الإِيرادَيْن باطلان.
أمَّا الأوَّل فإنَّه لم يقُلْ أحد: إنَّ كلامَ الله تعالى حُروفٌ مُجَرَّدةٌ: أ، بَ، تَ ... وإنَّما هو كلامٌ مؤلَّفٌ منها، وهو أكثر من أن يُحْصَرَ أو يُحَدّ، كما لا يَخفى.
فإنِ اعترضَ معترضٌ بالحُروف التي في أوائل بعض السُّوَر، مثل {الم} فجَوابه: أنَّ هذه لا تُنْطَقُ حروفاً، وإنَّما تُنْطقُ أسَماءً، فتقول:(ألف، لام، ميم) وهذا كلامٌ مُؤلَّفٌ، وقد نَبَّهْتُ على هذا في الباب الأوَّل، وأزلْتُ عنه اللَّبْسَ بفضْلِ الله.
وأمَّا الثاني فهو مبنيٌّ على بدعَةِ الأشعريةِ الثانية الناتجةِ عن أصلِهم الفاسدِ في الكَلام، وهي عَدَمُ تعلّق كلامهِ تعالى بمَشيئتهِ واختيارهِ, لأنَّه عندَهم لا يَنْقَسِمُ ولا يَتَجَزَّأ ولا يتبعَّضُ، وهو خِلافُ اعتقادِ أهْل السُّنَّة من السَّلَف والأئمَّةِ، فإنَّه عندَهم متعلِّقٌ بمشيئتهِ واختيارهِ، يتكلَّمُ إذا شاءَ بما شاءَ، والقرآنُ -مَثلًا- المُفْتَتَحُ بالفاتحةِ والمختَتَمُ بالناس بعضُ كلامهِ الذي لا يتَناهى، لا كُلُّ كلامهِ.
وسيأتي قريباً ذكرُ بدعتهم هذه ونقْضُها.
وأما الخامس:
فمِثْلُ ما سَبَقَ في الفَساد والبُطلان أو أشدّ، وذلكَ أنَّ القومَ يُطلقونَ القولَ بخَلْق حُروف المُعْجَم، فلمَّا رأوْا كلامَ الله العربيَّ مؤلَّفاً منها قالوا: لا يكونُ إلاَّ مخلوقاً, لأنَّ الحُروفَ مخلوقةٌ.