وهذا الإِطلاقُ ليسَ لدَيْهم عليه حُجَّةٌ، ومثلُهُ يَحْتاج إلى توقيفٍ، والدَّعْوى المجرَّدةٌ لا يُعَوَّلُ عليها في مَواطِن النّزاع، فكيفَ يقومُ على أساسِها الاعتقاد؟
والفَيْصَلُ في هذه القضيةِ هوَ: أنَّ الكلامَ إنَّما يُضافُ لمَنْ قالَهُ مُنْشِئاً مُبْتَدِئاً، فكلامُ الله تعالى مُضافٌ إليه، وهو صِفَتُهُ، فهو غيرُ مخلوقٍ, لأنَّ صفاتهِ تعالى غيرُ مخلوقةٍ، وكلامُ المخلوق الذي يُنْشئُه من نفسهِ ويبتَديهِ مُضاف إليه، وهو مَخلوقٌ, لأنَّ الصفةَ تابعةٌ للمَوصوفِ، فحينَ كانت للخالق كانَتْ غيرَ مخلوقةٍ، وحين كانَت للمخلوق كانَتْ مخلوقةً، فإذا قالَ قائل:(محمَّدٌ رسولُ الله) فهذا كلامٌ، تكلَّمَ به الله تعالى، ويتكلَّمُ به المخلوق من نفسهِ لا يُريدُ به القرآنَ، ففي الحالة الأولي غيرُ مخلوق, لأنَّه أرادَ به كلامَ الله، وفي الحالة الثانية مخلوقٌ, لأنَّه أرادَ كلامَ نفسهِ.
يوضِّحُه صفةُ العِلْم، فعِلْم المخلوق الذي يكتسبُهُ -سِوى وَحْي الله وتَنزيلهِ- مخلوقٌ، وهو معلومٌ لله تعالى، حَواهُ علمُ الله تعالى وأحاطَ به، فباعتبارِ إضافتهِ للمخلوق فهو مخلوقٌ، وباعتبار إضافتهِ للخالق فغيرُ مخلوق، والله تعالى ليسَ كمثلهِ شئٌ في ذاتهِ، وصفاتهِ، وأسمائِهِ، فليس ككلامِهِ كلامٌ، ولا كصَوتهِ صوتٌ، ولا كفِعْلِهِ فعْلٌ.
قال شيخ الإِسلام: "وأصلُ هذا أنَّ ما يوصَفُ الله به ويوصَفُ به العبادُ, يوصَفُ الله به على ما يليقُ به، ويوصَفُ به العبادُ بما يَليقُ بهم من ذلك، مثلُ الحَياةِ والعِلْمِ والقُدْرةِ والسَّمعِ والبَصرِ والكلامِ، فإنَّ الله له حَياةٌ وعلمٌ وقدرةٌ وسَمْعٌ وبصَرٌ وكلامٌ، فكلامُهُ يشتَملُ على حروفٍ، وهو يتكلَّمُ بصَوْتِ نفسهِ، والعَبْدَ لَهُ حياةٌ وعلمٌ وقدرةٌ وسمعٌ وبصرٌ وكلامٌ، وكلامُ