للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إسرائيلَ بلسانٍ عِبْراني، فأفهَمَ كلامَ الله القديمَ القائِمَ بالنفسِ بالعِبْرانية، وبَعَثَ عيسى عليه السَّلام بلسانٍ سريانيّ، فأفهَمَ قومَهُ كلامَ الله القديمَ بلسانهم، وبعَثَ نبيَّنا -صلى الله عليه وسلم- بلسانِ العربِ، فأفهَمَ قومَه كلامَ الله القديمَ القائِمَ بالنفسِ بكلامِهم، فلغةُ العرَب غيرُ لغة العِبْرانية، ولغة السّريانية غيرهما، لكنَّ الكلامَ القديمَ القائمَ بالنفسِ شيءٌ واحدٌ لا يَخْتَلِفٌ ولا يتغيَّر ... " (٦٢).

حتى قالَ: "فصحَّ أنَّ الكلام الحقيقيَّ هو المعنى القائمُ بالنَّفْس دونَ غيرهِ، وإنَّما الغيرُ دليلٌ عليه بحُكْم التَّواضُعِ والاصطلاح، ويجوزُ أنْ يُسَمَّى كلامًا إذْ هو دليلٌ على الكَلام، لا أنَّه نفسُ الكَلام الحقيقيّ" (٦٣).

ويُفْصِحُ عن مُنْشِىءِ هذا الكلام العربيّ فيقولُ: "والمَنزولُ به هو اللُّغَة العربية التي تَلا بها جبريلُ، ونحنُ نتلو بها إلى يوم القيامةِ، لقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: ١٩٥] والنَّازِلُ على الحَقيقةِ، المنتقِلُ مِنْ قُطْرٍ إلى قُطْرٍ قَوْلُ جبريلَ عليه السَّلام، يدلُّ على هذا قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ...} وذكَرَ الآياتِ، ثمَّ ذكَرَ آيةَ التكوير، ثم قالَ: "وهذا إخبار مِن الله تعالى بأنَّ النظمَ العربيَّ الذي هو قِراءةُ كلام الله تعالى هو قولُ جبريلَ، لا قول شاعرٍ، ولا قول كاهنٍ ... " (٦٤).

قلْتُ: وقد بيَّنا الحقَّ في تفسير آيتَي الرَّسولَيْن في الباب الثاني في


(٦٢) "الإِنصاف" ص: ١٠٦ - ١٠٧.
(٦٣) "الإِنصاف" ص: ١٠٧.
(٦٤) "الإِنصاف" ص: ٩٧.

<<  <   >  >>