للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنَّ القرآنَ معنى قائمٌ بذاتِ الله فَقَط، وأنَّ الحروفَ ليسَتْ من كلام الله، بَلْ خَلَقَها الله في الهَواء، أو صنَّفها جبريلُ أو محمَّدٌ، فضمّوا إلى ذلك أنَّ المُصْحَفَ ليسَ فيه إلاَّ مِدادٌ ووَرَقٌ، وأعْرَضوا عمَّا قالَه سلَفُهم مِنْ أنَّ ذلك دليلٌ على كلام الله فيجبُ احترامُهُ، لَمَّا رَأوا أنَّ مُجَرد كونهِ دَليلاً لا يوجِبُ الاحترامَ، كالدَّليل على الخالِق المتكلِّمِ بالكلام، فإنَّ المَوْجوداتِ كُلَّها أدلَّةٌ عليه، ولا يجبُ احترامُها (٨٦)، فصار هؤلاء يَمْتَهنونَ المُصْحَفَ حتى يَدوسوهُ بأرْجُلِهم، ومنهم من يكْتُبُ أسماءَ الله بالعَذْرة إسقاطاً لحُرْمَة ما كُتِبَ في المَصاحفِ والوَرَقِ مِنْ أسماءِ الله وآياتِهِ" (٨٧).

قلتُ: ومِمَّا يُصَدِّقُ ما حَكاهُ عنهم شيخُ الإِسلام، ما رَواه ابنُ حَزم في "الفصل" (٨٨) قال: أخْبَرني عليُّ بن حَمْزَةَ المُرادي الصَّقَلِّيُّ الصَّوفيُّ أنَّه رأى بعضَ الأشعرية يَبْطحُ المُصْحَفَ برجلهِ، قالَ: فأكْبَرتُ ذلك، وقلتُ له: ويحَك! هكذا تصنَعُ بالمُصْحَف، وفيه كلامُ الله تعالى؟ فقالَ لي: ويلك! والله ما فيهِ إلاَّ السُّخامُ والسَّوادُ، وأمَّا كلامُ الله فلا، ونحو هذا من القَوْلِ الذي هذا مَعْناه (٨٩).


(٨٦) قال شيخ الإِسلام في موضع آخر: "ولو كان ما في المصحف وجب احترامُه لمجرّد الدلالة، وجب احترام كلِّ دليل، بل الدليلُ على الصانع وصفاته أعظمُ من الدَّالِّ على كلامه، وليسَت له حرمةٌ كحرمة المصْحَف" "مجموع الفتاوى" ١٢/ ٣٩١.
(٨٧) "مجموع الفتاوي" ٨/ ٤٢٥.
(٨٨) ٥/ ٨١ - طبع عكاظ-
(٨٩) قلتُ: وعليّ بن حمزة هذا يكنى أبا الحسن، ترجم له الحافظ الحُمَيدي في "جذوة المقتبس" ص: ٣١٣، وقد سَمِعَ منه، وقال: "كانَ يتكلَّم في فنونٍ، ويُشارك في علوم، ويتصوَّف".

<<  <   >  >>