قال السلطان بعد طول تفكّر: لا شك أن رعاية جانب الملوك من أوجب الواجبات، ولكن إن ارتدي أحد السلاطين سلاح الاقتدار وأسرج حصان الغلبة والسيطرة فإن عليه أن يتنكّب طريق التّصافي:
/ إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه … ونكّب عن ذكر العواقب جانبا (١)
ولا يخفى على الرأي الرزّين لكل إنسان ما تعنيه مقولة:«لا أرحام بين الملوك». فإن كان ملوك الدّيار قد أرسلوا معزّين ومهنّئين، فما أظهروا الشّهامة والطّيبة إلا بسبب عجزهم، ومن ثمّ لا ينبغي أن نجعل تلك المروءة المفتعلة عنوانا لسجلّ يتمّ فيه تدوين ما لا يفيد ولا يجدي.
وأصدر السلطان أمرا للأمير نصرة الدين صاحب «مرعش» بأن موكب السلطان سيصل إلى تلك الحدود مصحوبا بالجنود والجيوش، فيتعين عليه إذن إعداد جيشه القديم ومن يلوذ به من أهله وذويه، وأن يكوّن جيشا- بقدر ما يستطيع- من المشاة والفرسان، ويجهّز آلة الحصار. كما أصدر أمرا آخر بنفس المعنى لأمراء ملطية وسيواس، وأمرا إلى أمراء «الأوج» بدعوة العساكر المعهودة وأن يتحركوا على الفور دون تلكّؤ أو تباطؤ، وأمرا إلى الأمراء والقادة الذين كانوا في مصيف «بنلو» لكي يتوجهوا بكامل هيئتهم إلى صحراء «آبلستان».
وفي ظرف عشرين يوما تجمّع من أطراف الممالك من الجنود والحشود ما تجاوز حدّ الحصر. فانطلق السلطان مع كوكبة من الخواصّ صوب آبلستان، فلما وصلها أمر بإقامة احتفال عام واستمال أمراء العساكر، فرشّح لكل مدينة من بلاد الشّام أميرا.
(١) بيت لسعد بن نعشب، انظر الحماسة (طبعة فرايتاج) ص ٣٢.