للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتوقّف السلطان بضعة أيام في «آبلستان»، فلحق بخدمته هناك أخو نصرة الدين وصهره من قلعتي «رعبان» و «تلباشر» اللّتين سلماهما للملك الأشرف.

وكان السلطان قد أثقلت على نفسه تلك الرّسائل الجوابيّة المزوّرة، وحلّ به الاضطراب من هزيمة الطّلائع، فأمر بإعدامهما.

وفي اليوم التالي أمر بأن يحضر الأمراء جميعا إلى الديوان وأسرّ إلى خواصّه بأن يتسلّح أمراء المفاردة [وغلمان الخاصّ السلطاني] (١) خفية وينتظروا صدور الأمر. فدخل الأمراء بأسرهم وجلسوا، فطلب السلطان الرّسائل الجوابيّة من «الدواتدار» (٢) وألقى بكل منها لمن كتبت له من الأمراء/. وما إن قرأها أولئك المساكين الأبرياء حتى بهتوا وذهلوا، ونطقوا قائلين: «سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ» (٣)، وأنكروا الأمر وقالوا لا يجوز للمليك أن يلتفت لحيلة الكائدين وينسبنا إلى العقوق والخذلان دون دليل وبرهان، وينزل بنا العقاب، فلن تكون عاقبة ذلك إلا النّدامة، وزاد نواحهم وعويلهم غير أنه ما ترك من أثر، فأمر بوضع الشيلان في أعناقهم جميعا وإدخالهم بيتا بعد وضع القيد في أيديهم ويضرموا حول البيت نارا كنار النّمرود، فأخذوا في إحراق أولئك الأبرياء، وكان الدّخان يتصاعد متجاوزا الفلك الأزرق فيصل زفيرهم وأنينهم إلى عنان السّماء. وكان أحدهم إن استطاع أن يجد ثغرة يقفز منها نحو الباب تلقفه «الفرّانون» الغلاظ الشّداد وألقوا به إلى الموكّلين بالتّنفيذ فيعيدوه إلى النّار ثانية مرغما.


(١) زيادة من أ. ع، ص ١٩٥.
(٢) يعني به رئيس ديوان الإنشاء.
(٣) النور: ١٦.