النّاس، ويحسّن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهّيه، معتدل الأمر غير مختلف، ولا يغفل مخافة أن يغفلوا ويملّوا، لكلّ حال عنده عتاد لا يقصّر عن الحقّ ولا
ــ
عليهم فى ذلك الاحتراس، بل فيه غاية المصلحة لهم. (ويتفقد أصحابه) يطلبهم عند غشيته. (فى الناس) يحتمل أن يراد بهم العموم، ويحتمل أن يراد بهم الخصوص، أى:
ويسأل خواص أصحابه وأفاضلهم. (ويحسن الحسن) من المحاسن والمساوئ ليعامل كلا بما يقتضيه أفعاله وأوصافه، ومن ثمة قال:(ويحسن الحسن) الواقع من غيره أى: يظهر حسنه بمدحه، أو مدح فاعله. (ويقبح القبيح) الواقع من غيره أى: يظهر قبحه بذمه وذم فاعله، وإن بلغ من الجاه ما بلغ به، ثم سؤاله من ذلك سؤال يترتب عليه مصالح عامة فلا غيبة فيه، إذ من أنواع الغيبة الجائزة، بل الواجبة أن من أراد مخالطة إنسان وجب على من يعلم فيه عيبا أو منفرا أن يذكره لذلك المريد لمخالطته، وإن لم يسأل فكيف إذا سأل. (ويوهيه) معنى يوهيه يسقطه عن النظر والاعتبار وفى نسخة بالنون من الوهن.
تنبيه: إنما لم يقل عما فهم كما هو القياس ليس الطريق الأوضح أن المسئول غير المسئول عنه، وفى هذا إرشاد منه صلى الله عليه وسلم إلى أكابر أمته من الحكام، والعلماء، والصحابة الذين يكثر أتباعهم، أنه ينبغى لهم أن يتعرفوا أحوالهم ليعاملوا كلا بما يستحقه، ولا يغفلون عن ذلك لئلا يترتب عليهم الضرر العظيم كما هو مشاهد.
(معتدل الأمر) ظاهر السياق نصبه عطفا على خبر كان، وما عطف عليه بحذف حرف العطف وفى بعض الأصول المصححة: رفعه بتقدير مبتدأ محذوف وسببه أن ذلك الأخبار المتعاطفة، وأمور تطلق عليه تارة، وأضدادها أخرى لكونه يجرى لبيانه، وما عطف عليه، فإما كونه معتدل الأمر، وما بعده، فهى أمور لا رغد له لا ينفك عنها أبدا لرفادة ذلك قطعا عما قبل وذكرها على هذا الوجه البديع فتأمل، فإنه مهم وقد غفل عنه بعضهم فقال: وكأن جملة معتدل الأمر معترضة أى: بناء على ما فى بعض النسخ: «ولا يعتل» بالعطف، لكن الذى فى الأصول المصححة حذف الواو فتعين ما ذكرته. (غير مختلف) حال بمعنى أن جميع أفعاله وأقواله على غاية الاستواء والاعتدال، وجميع ذلك محفوظة عن أن يصدر به فيها أمور متخالفة المجامل، متناقضة الأواخر والأوائل، وأن ذلك إنما ينشأ عن خفة العقل، وسفاهة الرأى، وعدم المروءة وسوء الخلق وأيا من كملت فيه تلك المحاسن فحاشاه من ذلك. (لا يغفل) عن تذكيرهم وإرشادهم ونصحهم وتعليمهم. (مخافة أن يغفلوا) عن استفادة. (علىّ) أقواله وأحواله. (أو يلجئوا) إلى