بعد أن عرفنا أن الدين الصحيح هو المدد الإلهي لقوى النفس المختلفة، فإن الدين - أيضا - هو الدرع الواقي للمجتمع، ذلك لأن الحياة البشرية لا تقوم إلا بالتعاون بين أعضائها، ولا يتم هذا التعاون إلا بنظام ينظم علاقاتهم، ويحدد واجباتهم، ويكفل حقوقهم، وهذا النظام لا غنى له عن سلطان نازع وازع يردع النفس عن انتهاكه، ويرغبها في المحافظة عليه، ويكفل مهابته في النفوس ويمنع انتهاك حرماته، فما هو هذا السلطان؟ فأقول: ليمس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تدانيها في كفالة احترام النظام، وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه.
والسر في ذلك أن الإنسان يمتاز عن سائر الكائنات الحية بأن حركاته وتصرفاته الاختيارية يتولى قيادتها شيء لا يقع عليه سمع ولا بصر، وإنما هو عقيدة إيمانية تهذب الروح وتزكي الجوارح، فالإنسان مقود أبدا بعقيدة صحيحة أو فاسدة، فإذا صلحت عقيدته صلح فيه كل شيء، وإذا فسدت فسد كل شيء.
والعقيدة والإيمان هما الرقيب الذاتي على الإنسان، وهما - كما يلاحظ في عموم البشرية - على ضربين: - إيمان بقيمة الفضيلة وكرامة الإنسانية وما إلى ذلك من المعاني المجردة التي تستحي النفوس العالية من مخالفة دواعيها حتى ولو أعفيت من التبعات الخارجية والأجزية المادية.