قال صاحب «المحررِ» : فعلى قولنا بالتَّداخلِ، لو كفَّرَ بالعِتْقِ في اليوم الأول عنه، ثم في اليوم الثاني عنه، ثم استُحِقَّت الرَّقبةُ الأولى، لم يلزمه بدلها وأجزأتْهُ الثانية عنهما، ولو استُحِقَّت الثانية وحدها، لزمه بدلها، ولو استحِقّتا جميعاً، أجزأه بدلهما رقبة واحدة؛ لأن محل التداخل وجود السبب الثاني قبل أداء موجِبِ الأول، ونية التعيين لا تعتبر، فتلغو، أوتصير كنيةٍ مطلقةٍ، هذا قياس مذهبنا، وقاله الحنفية، وهو مذهب المالكية في نظيره، وهو: كُلُّ موضعٍ قُضِيَ فيه بتداخل الأسباب في الكفارة، إذا نوى التكفير عن بعضها، فإنه يقع عن جميعها، مثل من قال لزوجاته: أنتُنَّ علي كظهر أُمِّي، ثم وطئ واحدةً، وكفَّرَ عنها، أجزأه عن الكُلِّ ونحو ذلك (١) ،
(١) هذه المسألة مهمة، وهي: إذا كرر الجماع في يومين، فإن كفر عن الأول لزمته كفارة ثانية عن الثاني بلا إشكال؛ لأن التداخل ممتنع، وإن لم يكفر فإن عليه كفارة ثانية على المذهب؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، ولهذا لا يفسد صوم اليوم الأول بفساد صوم اليوم الثاني، ولا العكس، فلزمه لكل يوم كفارة، وعلى هذا فلو جامع في كل يوم، والشهر ثلاثون يوماً، لزمه ثلاثون كفارة، وقيل: إذا لم يكفر عن الأول كفاه كفارة واحدة، بناءاً على التداخل في الحدود؛ لأنه لو زنى بامرأتين لزمه حد واحد مثلاً، وعلى التداخل في الأيمان، ولها نظائر، فقالوا: مادام لم يكفر عن الأول كفاه كفارة عن الجميع، لاسيما إذا قلنا: إن شهر رمضان عبادة واحدة، وأن أيامه كأجزاء العبادة، فهذا القول من حيث النظر قوي، ولكن من حيث التربية ضعيف؛ لأن بإمكان كل واحد - لاسيما الشاب حديث العهد بالزواج - أن يجامع كل يوم ويدع الكفارة لآخر يوم، ويأتي بكفارة واحدة، وهذا يؤدي إلى الفوضى والتلاعب بحدود الله وأحكام الله، فإبقاء الناس على المشهور من المذهب من أن يلزمه كفارة لكل يوم هو الموافق من حيث التربية، وعدم التهاون بالإفطار في نهار رمضان.