للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك يستحب لمن لمس النساء فتحركت شهوته أن يتوضأ، وكذلك من تفكر فتحركت شهوته فانتشر، وكذلك من مس الأمرد أو غيره فانتشر (١) .

فالتوضؤ عند تحرك الشهوة من جنس التوضؤ عند الغضب، وهذا مستحب لما في «السنن» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» ، وكذلك الشهوة الغالبة هي من الشيطان والنار، والوضوء يطفئها، فهو يطفئ حرارة الغضب، والوضوء من هذا مستحب.

وكذلك أمره بالوضوء مما مسته النار أمر استحباب؛ لأن ما مسته النار يخالط البدن، فليتوضأ فإن النار تطفأ بالماء، وليس في النصوص ما يدل على أنه منسوخ، بل النصوص تدل على أنه ليس بواجب، واستحباب الوضوء منه أعدل الأقوال، من قول من يوجبه، وقول من يراه منسوخا، وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره (٢) .


(١) معنى قول المؤلف: «انتشر» أي: انتصب ذكره.
(٢) قوله: «مما مسته النار» أي: كل ما طبخ بالنار، فالأفضل أن يتوضأ منه، وقد ورد فيه حديثان أحدهما: الأمر بالوضوء منه [أخرجه أبو داود في الطهارة/باب التشديد في ذلك (١٦٦) ؛ والترمذي في الطهارة/ باب ما جاء في الوضوء مما غيرت النار (٧٤) ؛ والنسائي في الطهارة/باب الوضوء مما غيرت النار (١٧١) ؛ وابن ماجه في الطهارة/ باب الوضوء مما غيرت النار (٤٧٨) ] . والثاني: «كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار» [أخرجه أبو داود في الطهارة/باب في ترك الوضوء مما مست النار (١٦٤) ؛ والنسائي في الطهارة/باب ترك الوضوء مما غيرت النار (١٨٥) .] .

فمنهم من قال: إن هذا الحديث يدل على نسخ الحديث الأول، وأنه لا يعمل به إطلاقا، ولا يتوضأ لذلك.

ومنهم من قال: إن الحديث الثاني يدل على أن الأمر بالوضوء مما مست النار ليس على سبيل الوجوب، وهذا يستعمله العلماء كثيرا، فيقولون: إن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الأمر يدل على عدم الوجوب، وأن فعله بعد النهي يدل على عدم التحريم، وهذا الذي ذكره المؤلف هو أعدل الأقوال، وأنه يسن له أن يتوضأ مما مست النار كما نص على ذلك فقهاء الحنابلة رحمهم الله.

<<  <   >  >>