للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: فالجماع مفطر، [ودم الحيض مفطر] ، وهذه العلة منتفية فيهما؟

قيل: تلك أحكام ثابتة بالنص والإجماع، فلا يحتاج إثباتها إلى القياس، بل يجوز أن تكون العلل مختلفة، فيكون تحريم الطعام والشراب والفطر بذلك لحكمة، وتحريم الجماع والفطر به لحكمة، والفطر بالحيض لحكمة، فإن الحيض لا يقال فيه: إنه يحرم، وهذا لأن المفطرات بالنص والإجماع لما انقسمت إلى أمور اختيارية تحرم على العبد كالأكل والجماع، وإلى أمور لا اختيار له فيها كدم الحيض، كذلك تنقسم عللها.

فنقول: أما الجماع فإنه باعتبار أنه سبب إنزال المني يجري مجرى الاستقاءة والحيض والاحتجام -كما سنبينه إن شاء الله تعالى-، فإنه من نوع الاستفراغ، لا الامتلاء كالأكل والشرب.

ومن جهة أنه إحدى الشهوتين فجرى مجرى الأكل والشرب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الله تعالى: «قال: الصوم لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي» (١) ، فترك الإنسان ما يشتهيه لله هو عبادة مقصودة يثاب عليها، كما يثاب المحرم على ترك ما اعتاده من اللباس والطيب ونحو ذلك من نعيم البدن (٢) .


(١) فصار على كلام الشيخ رحمه الله الجماع تتجاذبه علتان: العلة الأولى: الاستفراغ، والعلة الثانية: الشهوة، فالاستفراغ يكون مقيسا على الحجامة والقيء، والشهوة تكون مقيسة على الأكل والشرب، لكن العلة الأخيرة أوضح وأظهر وأعم، وأنه من أجل الشهوة، بدليل أنه قد يحصل جماع بلا إنزال، فتنخرم علة الاستفراغ.
(٢) لأن العبادات فعل وكف ولا بد منها، وإنما كان كذلك لأن من الناس من يسهل عليه الفعل دون الكف، ومن الناس من يسهل عليه الكف دون الفعل، فجمع الله تعالى في العبادات بين الفعل والكف، حتى يتبين أن الإنسان عابد لله حقيقة، لا عابد لهواه، إذا ترك الإنسان ما يشتهيه من الجماع وهو صائم فهذا عبادة، وإن كان لا يتغذى بالجماع، لكن نقول إن مجرد كونه يترك شهوته لله هو عبادة.

<<  <   >  >>