للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجماع من أعظم نعيم البدن وسرور النفس وانبساطها، وهو يحرك الشهوة والدم والبدن أكثر من الأكل، فإذا كان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والغذاء يبسط الدم الذي هو مجاريه، فإذا أكل أو شرب انبسطت نفسه إلى الشهوات، وضعفت إرادتها ومحبتها للعبادات، فهذا المعنى في الجماع أبلغ، فإنه يبسط إرادة النفس للشهوات، ويضعف إرادتها عن العبادات أعظم (١) ؛ بل الجماع هو غاية الشهوات، وشهوته أعظم من شهوة الطعام والشراب، ولهذا أوجب على المجامع كفارة الظهار، فوجب عليه العتق أو ما يقوم مقامه بالسنة والإجماع؛ لأن هذا أغلظ، وداعيه أقوى، والمفسدة به أشد، فهذا أعظم الحكمتين في تحريم الجماع (٢) ،


(١) قوله رحمه الله: «ويضعف إرادتها عن العبادات» هذا باعتبار جنس بني آدم، لكن من بني آدم من يجعل جماعه عبادة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وفي بضع أحدكم صدقة» . قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟» قالوا: نعم. قال: «كذلك إذا وضعها في حلال، كان له أجر» [أخرجه مسلم في الزكاة/باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (١٠٠٦) ] ، فيعتبر أن جماعه عبادة، ولا يصده عن عبادة الله عز وجل، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه جميعا بغسل واحد [أخرجه مسلم في الحيض, باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع (٣٠٩) .] ، ومع ذلك نعلم علم اليقين أنه أشد الناس عبادة لله عز وجل، لكن في الغالب أن الإنسان إذا انغمس في الشهوات غفل عن العبادات، قال الله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} [مريم ٥٩] .
(٢) هذا ما أشرنا إليه فيما سبق، وهو أن حكمة كونه شهوة كالطعام والشراب أبلغ وأشمل من أن يكون الحكمة فيه أنه استفراغ..

<<  <   >  >>