للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان كذلك فالصائم قد نهي عن أخذ ما يقويه ويغذيه من الطعام والشراب، فينهى عن إخراج ما يضعفه ويخرج مادته التي بها يتغذى، وإلا فإذا مكن من هذا ضره، وكان متعديا في عبادته لا عادلا.

والخارجات نوعان: نوع يخرج لا يقدر على الاحتراز منه، أو على وجه لا يضره، فهذا لا يمنع منه كالأخبثين، فإن خروجهما لا يضره، ولا يمكنه الاحتراز منه أيضا، ولو استدعى خروجهما فإن خروجهما لا يضره، بل ينفعه، وكذلك إذا ذرعه القيء لا يمكنه الاحتراز منه، وكذلك الاحتلام في المنام لا يمكنه الاحتراز منه.

وأما إذا استقاء، فالقيء يُخرج ما يتغذى به من الطعام والشراب المستحيل في المعدة، وكذلك الاستمناء مع ما فيه من الشهوة، فهو يخرج المني الذي هو مستحيل في المعدة عن الدم، فهو يخرج الدم الذي يتغذى به، ولهذا كان خروج المني إذا أفرط فيه يضر الإنسان ويخرج أحمر.

والدم الذي يخرج بالحيض فيه خروج الدم، والحائض يمكنها أن تصوم في غير أوقات الدم في حال لا يخرج فيها دمها، فكان صومها في تلك الحال صوما معتدلا لا يخرج فيه الدم الذي يقوي البدن الذي هو مادته، وصومها في الحيض يوجب أن يخرج فيه دمها الذي هو مادتها، ويوجب نقصان بدنها وضعفها، وخروج صومها عن الاعتدال، فأمرت أن تصوم في غير أوقات الحيض، بخلاف المستحاضة؛ فإن الاستحاضة تعم أوقات الزمان، وليس لها وقت تؤمر فيه بالصوم، وكان ذلك لا يمكن الاحتراز منه، كذرع القيء وخروج الدم بالجراح والدمامل والاحتلام، ونحو ذلك مما ليس له وقت محدد يمكن الاحتراز منه، فلم يُجعل هذا منافيا للصوم كدم الحيض (١) .


(١) يفهم من هذا أن المستحاضة تصوم، مع أنه يلحقها ضعف بخروج الدم منها، فإذا كانت لا تحتمل الصيام من أجل ضعفها، فالغالب أن المستحاضة لا يرجى زوال مرضها، فتطعم عن كل يوم مسكينا، كغيرها من ذوي المرض الذي لا يرجى برؤه.

<<  <   >  >>