للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابن عباس وإن لم يعلم ما في نفسه، غايته أنه رآه أو أخبره من رآه أنه أصبح صائماً واحتجم، وهذا لا يقتضي أنهم علموا من نفسه أنه استمر صومه، وكأن من ادعى عليه النسخ تغْلُبُ عليه هذه الحجة من وجهين: أحدهما: أنه لا حجة فيه؛ والثاني: أنه منسوخ. وقد روي ما يدل على أن الفطر هو الناسخ، ومما احتج به على النسخ: ما رواه الدارقطني: حدثنا البغوي قال: ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا خالد بن مخلد، عن عبد الله بن المثنى، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: أولُ ما كرهنا الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمرَّ به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أفطر هذان» . ثم رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم بالحجامة للصائم. وكان أنس يحتجم وهو صائم.

قال الدارقطني: كلهم ثقات، ولا أعلم له علة. قال أبو الفرج ابن الجوزي: قال أحمد بن حنبل: خالد بن مخلد له أحاديث مناكير.

قلت: ومما يدل على أن هذا من مناكيره: أنه لم يروه أحد من أهل الكتب المعتمدة، مع أنه في الظاهر على شرط البخاري، والمشهور عن البصريين أن الحجامة تفطر، وأيضاً: فجعفر بن أبي طالب إنما قدم من الحبشة عامَ خيبر في آخر سنة ست، أو أول سنة سبع، فإن خيبر كانت في هذه المدة في سنة سبع، وقيل: عام مؤتة قبل الفتح، ولم يشهد فتح مكة، فصام مع النبي صلى الله عليه وسلم واحداً سنة سبع، وإذا كان هذا الحكم قد شرع في ذلك العام فإنه ينشر ويظهر، والحديث المتقدم كان سنة ثمانٍ بعد هذا، فإن كان هذا محفوظاً فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك في عام بعد عام، ولم ينقل عنه أحد لفظاً ثابتاً أنه رخص في الحجامة بعد ذلك، فلعل هذا مدرج عن أنس لم يقله هو، ولعل أنساً بلغه أنه أرخص ولم يسمع ذلك منه، ولعل بعض التابعين حدثه بذلك.

<<  <   >  >>