للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام، وقال طائفة من السلف والخلف: بل يقصر ويفطر في أقل من يومين، وهذا قول قوي فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعرفة ومزدلفة ومنى يقصر الصلاة وخلفه أهل مكة وغيرهم يصلون بصلاته، لم يأمر أحدا منهم بإتمام الصلاة.

وإذا سافر في أثناء يوم فهل يجوز له الفطر؟ على قولين مشهورين للعلماء، هما روايتان عن أحمد، أظهرهما: أنه يجوز ذلك، كما ثبت في «السنن» أن من الصحابة من كان يفطر إذا خرج من يومه، ويذكر أن ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في «الصحيح» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نوى الصوم في السفر، ثم إنه دعا بماء فأفطر، والناس ينظرون إليه.

وأما اليوم الثاني: فيفطر فيه بلا ريب، وإن كان مقدار سفره يومين في مذهب جمهور الأئمة والأمة.

وأما إذا قدم المسافر في أثناء يوم ففي وجوب الإمساك عليه نزاع مشهور بين العلماء؛ لكن عليه القضاء سواء أمسك أو لم يمسك (١) .


(١) والصحيح أنه لايلزمه الإمساك إذا قدم مفطرا - يعني: إذا قدم إلى بلده - فإنه يبقى على فطره، وكذلك لو طهرت المرأة الحائض في أثناء النهار، فإنه لا يلزمها أن تمسك؛ لأنه لا فائدة في هذا الإمساك، ولم يوجب الله تعالى على عباده عملا لا فائدة منه، وأما قولهم: «إن الزمن محترم؛ لأنه نهار رمضان» ، فنقول: لكن هذا الزمن في حق هذا الرجل أصبح غير محترم؛ لأن الله تعالى أباح له أن يأكل ويشرب في أوله، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: من أكل أول النهار فليأكل آخره.

وهذا فيمن أفطر لعذر، وأما من تعمد الفطر بلا عذر فإنه لا يحل له أن يستمر فيه، وبهذا تبطل حيلة المحتالين الذين قالوا: إذا أردت أن تجامع امرأتك ولا يلزمك الكفارة في نهار رمضان فكل تمرا أولا، ثم جامع ثانيا، من أجل أن يصادف جماعك وأنت -على زعمه- مفطر.

فنقول: هو وإن أفطر لكنه حكما يلزمه الإمساك، فالصواب أن كل من كان مفطرا في أول النهار لعذر فإنه لا يلزمه الإمساك، بشرط أن يكون هذا العذر وجود مانع، أما إذا كان أكله لعدم وجود الموجب فهذا إذا وجد الموجب وجب الإمساك، ويثاب عليه، فيفرق بين زوال المانع ووجود الموجب، فزوال المانع مثاله ما سبق في المسافر إذا قدم مفطرا، فنقول: هذا زال المانع في حقه، يعني: مانع الوجوب وهو السفر، وكذلك الحائض إذا طهرت فهذه أيضا زال المانع في حقها، أي: مانع الوجوب وهو الحيض، وكذلك الكافر إذا أسلم يلزمه الإمساك على القول الراجح؛ لأن هذا تجدد الوجوب في حقه، فهو كما لو قامت البينة في أثناء النهار فيلزمه الإمساك، وهل يلزمه القضاء؟ على قولين، والصحيح أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه كان في أول النهار ليس من أهل الوجوب، وكذلك صبي بلغ في أثناء النهار فإنه يلزمه الإمساك، ولا يلزمه القضاء.

<<  <   >  >>