للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاءتكم موعظة من ربكم﴾ يعني: ذكرى تذكِّركم عقابَ الله، وتخوِّفكم وعيده، ﴿من ربكم﴾ يقول: من عند ربكم، لم يختلقها محمد ، ولم يفتعلها أحدٌ، فتقولوا: لا نأمن أن تكون لا صحةَ لها، وإنما يعني بذلك - جلّ ثناؤه- القرآنَ، وهو الموعظة من الله.

وقوله: ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ يقول: ودواءٌ لما في الصدور من الجهل يشفي به الله جهل الجهال، فيبرئ به داءهم، ويهدي به من خلقِه من أراد هدايته به، ﴿وَهُدى﴾ يقول: وهو بيانٌ لحلال الله وحرامه، ودليلٌ على طاعته ومعصيته، ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ يرحم بها من شاء من خلقه، فينقذه به من الضلالة إلى الهدى، وينجيه به من الهلاك والردى، وجعله رحمة للمؤمنين به دون الكافرين به؛ لأن من كفر به فهو عليه عمى، وفي الآخرة جزاؤه على الكفر به الخلود في لظى» (١).

ويقول ابن كثير :

«يقول تعالى ممتنا على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أي: زاجر عن الفواحش، ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ أي: من الشبه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، ﴿وَهُدىً وَرَحْمَةٌ﴾ أي: يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه، كقوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً﴾ [الإسراء: ٨٢]، وقوله: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ﴾ [فصلت: ٤٤] (٢).

ويزيد السعدي معنى الآية إيضاحاً وبياناً، فيقول:

«﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ «وهو هذا القرآن شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد


(١) تفسير الطبري: (١٢/ ١٩٣ - ١٩٤).
(٢) تفسير ابن كثير: (٧/ ٣٧٠).

<<  <   >  >>