قال ابنُ جُزَيٍّ ﵀ في تفسيرِ قولِهِ تعالى عن عيسى ﵇: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ [المائدة: ١١٦]:
(أي: تَعلَمُ معلومي، ولا أَعلَمُ معلومَك، ولكنه سَلَكَ باللفظِ مسلَكَ المشاكَلةِ؛ فقال: ﴿فِي نَفْسِكَ﴾؛ مقابَلةً لقولِه: ﴿فِي نَفْسِي﴾)(١).
قولُهُ في تفسيرِ الآية:(أي: تَعلَمُ معلومي، ولا أعلَمُ معلومَك … )، إلخ:
هذا تفسيرٌ منه للموصولِ في الموضعَيْنِ: ﴿مَا فِي نَفْسِي﴾، و ﴿مَا فِي نَفْسِكَ﴾؛ فيكونُ المعنى: تَعلَمُ الذي أَعْلَمُه، ولا أَعلَمُ الذي تَعلَمُه، وهذا يَشمَلُ ما يُبدِي وما يُخفِي، وهذا أعَمُّ مما يدلُّ عليه لفظُ الآية.
واللهُ تعالى يعلمُ ما يبديهِ العبدُ وما يخفيهِ: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ﴾ [آل عمران: ٢٩].
والعبدُ يعلمُ مِنْ معلومِ اللهِ ما أعلَمَه به، ولا يعلمُ العبدُ ما يخفيهِ سبحانه؛ فلا يعلمُ ما استأثَرَ اللهُ بعلمِه، ولا كلَّ ما أَعلَمَ به بعضَ عبادِه؛ فقولُ عيسى ﵇: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي﴾؛ أي: ما أُخْفِيهِ، ﴿وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾؛ أي: ما تُخْفِيهِ.