قال ابنُ جُزَيٍّ ﵀ في تفسيرِ قولِه تعالى: ﴿قُلْ لاَّ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ﴾ [النمل: ٦٥]:
(فإنْ قيل: كيف قال: ﴿إِلاَّ اللَّهُ﴾ بالرفعِ على البدَلِ، والبدلُ لا يصحُّ إلا إذا كان الاستثناءُ متصِلًا، ويكونُ ما بعد «إلَّا» مِنْ جنسِ ما قبلَها؛ واللهُ تعالى ليس ممَّن في السماواتِ والأرضِ باتفاقٍ:
والقائلين بنفيِ الجهةِ يقولون:«إنه تعالى ليس فيهما، ولا فوقَهما، ولا داخلًا فيهما، ولا خارجًا عنهما».
فهو - على هذا - استثناءٌ منقطِعٌ؛ فكان يجبُ أن يكونَ منصوبًا؟
فالجوابُ مِنْ أربعةِ أوجُه:
الأوَّل: أنَّ البدَلَ هنا جاء على لغةِ بني تميمٍ في البدَلِ، وإنْ كان منقطِعًا؛ كقولهم:«ما في الدارِ أحدٌ إلا حِمَارٌ» بالرفعِ، والحمارُ ليس مِنْ الأَحَدِينَ.
وهذا ضعيف؛ لأنَّ القرآنَ نزَلَ بلغةِ أهلِ الحجازِ، لا بلغةِ بني تَمِيم.
والثاني: أنَّ اللهَ في السماواتِ والأرضِ بعلمِهِ؛ كما قال: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ [الحديد: ٤]؛ يعني: بعِلْمِه؛ فجاء البدَلُ على هذا المعنى.