للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أولياءَه، وأن ينعِّمَ أعداءَه (١)؛ فعليه: يجوزُ أن يعذِّبَ مَنْ شاءَ بغيرِ ذنبٍ، أو يعذِّبَهُ بذنبِ غيرِه.

ومنشأُ هذا المذهَبِ: هو أنَّ مَرَدَّ أفعالِ الله تعالى وشَرْعِهِ عندهم محضُ المشيئة؛ فلا حِكْمةَ ولا غايةَ في مفعولاتِهِ ومأموراتِه، والظلمُ عندَهم هو المستحيلُ لذاتِه؛ كالجمعِ بين النقيضَيْنِ؛ قال ابن القيِّم:

وَالظُّلْمُ عِنْدَهُمُ المُحَالُ لِذَاتِهِ … أَنَّى يُنَزَّهُ عَنْهُ ذُو السُّلْطَانِ؟ (٢)

وأمَّا الظلمُ عند أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، فهو أن يعذِّبَ أحدًا بغيرِ ذنب، أو أن يعذِّبَهُ بذنبِ غيرِه (٣)، وقد حرَّم اللهُ تعالى ذلك على نَفْسِه؛ قال في الحديثِ القدسيِّ: ((يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلَا تَظَالَمُوا)) (٤)، وقد نزَّه اللهُ نَفْسَهُ عن الظلمِ في آياتٍ كثيرة؛ قال تعالى: ﴿وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِين (١٠٨)[آل عمران]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد (٤٦)[فصلت].

والظلمُ عند أهلِ السُّنَّةِ: مقدورٌ لله، لكنَّه لا يَفعَلُهُ؛ لكمالِ عدلِهِ وحكمتِه (٥) وأمَّا الظلمُ عند الأشاعِرة: فهو غيرُ مقدورٍ له؛ لأنه عندهم


(١) «منهاج السنة» (١/ ١٣٤ - ١٣٥)، و «جامع الرسائل -رسالة في معنى كون الرب عادلًا وفي تنزهه عن الظلم -» (١/ ١٢١)، و «موقف ابن تيمية من الأشاعرة» (٣/ ١٣٢٣).
(٢) «الكافية الشافية» (١/ ٦٣ رقم ٥٧ ط. المجمع).
(٣) ينظر: «منهاج السنة» (١/ ١٣٩)، و «جامع الرسائل» (١/ ١٢٣).
(٤) أخرجه مسلم (٢٥٧٧)؛ من حديث أبي ذر الغِفَاري .
(٥) ينظر: «منهاج السنة» (١/ ١٣٥ - ١٣٧)، و «جامع الرسائل» (١/ ١٢٩).

<<  <   >  >>