للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بهذا مردود؛ لأن الله أمر بتدبر القرآن كله، وذمَّ المعرضين عن تدبره، وما لا يفهم معناه لا يؤمر بتدبره؛ لأنه لا معنى له؛ ككلام الأعجمي لا يؤمر العربي بتدبره، وأيضًا فإنه على تقدير أن المتشابه من القرآن ما لا يُفهم معناه لا يكون هدى ولا بيانا ولا شفاءً، فعلم بذلك بطلان هذا المذهب في معنى المتشابه من القرآن، ونفاة الصفات أو كثير منها - كالأشاعرة - يجعلون نصوص ما ينفونه من المتشابه، أي: مما لا يعلم معناه إلا الله (١)، وقد نصَّ ابن جزي على أن هذه الآية ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ من المتشابه الذي فسَّره بالمعنى المتقدم في المتشابه، وهذا يقتضي أنه لا يثبت لله يدين حقيقة؛ لأنه اعتبر لفظ اليدين من المتشابه الذي يؤمَن بلفظه، وتفوَّض حقيقته إلى الله، وهذا هو مذهب أهل التفويض من النفاة؛ لأنه جعل مقابله قول أهل التأويل الذين يفسِّرون اليدين بالقدرة، وابن جزي على خلاف قولهم، وأما ذكره لقول أبي بكر الباقلاني المتضمِّن لإثبات الصفات التي ذكرها، فمقصود ابن جزي - والله أعلم - تعقُّب ابن عطية له بقوله: «وهذا قول مرغوب عنه» (٢)، وقد ظهر بعد المراجعة أن ابن عطية نفسه ينكر على


(١) أفاض شيخ الإسلام في إبطال مذهب التفويض، ورده من ستة أوجه في: «مجموع الفتاوى» (٥/ ١٥٦ - ١٦٣)، وفي «جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية» (١٠ - ١٦). وينظر أيضًا: «درء التعارض» (٥/ ٣٧٨ - ٣٧٩)، و «مجموع الفتاوى» (١٧/ ٤٢٥)، و «شرح التدمرية» لشيخنا (ص ٢٩٦)، و «توضيح مقدمة التفسير» لشيخنا (ص ٣٤ - ٣٥)، و «مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات» د. أحمد القاضي (ص ٥١٥ - ٥٣٨).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٧/ ٣٦٤).

<<  <   >  >>