للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

تضمَّن كلامُ المؤلِّفِ ذكرَ الوجهَيْنِ في إعرابِ «رَهْبَانِيَّةً»؛ هل هي عطفٌ على «رَأْفَةً وَرَحْمَةً»، أو نصبٌ على الاشتغالِ بفعلٍ محذوفٍ يفسِّرُهُ ما بعده، والتقديرُ: وابتدَعُوا رهبانيَّةً؟ ورجَّح المؤلِّفُ الوجهَ الأوَّل، ونسَبَ الثانيَ للمعتزِلة؛ حيثُ زعَمُوا أنَّ ذلك لئلا يتعلَّقَ الجَعْلُ - بمعنى الخلقِ - بالرهبانيَّةِ، وهي مِنْ فعلِ العبدِ، وعندَهم: أنَّ العبدَ هو الذي يخلُقُ فعلَهُ.

والإعرابُ الثاني هو الراجِحُ، وقد ذهَبَ إليه جَمْعٌ؛ كالزَّجَّاجِ (١) والعُكْبَريِّ (٢)، والبغويِّ (٣) والقُرْطُبيِّ (٤)، وابنِ القيِّمِ (٥) وابنِ عاشورٍ (٦) وغيرِهم؛ وذلك لأنَّ مفعولَ «جعَلَ» في الآيةِ مقيَّدٌ في القلوبِ: ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ﴾ [الحديد: ٢٧]، والرهبانيَّةُ: سلوكٌ ظاهِرٌ، وليس في إعرابِ «رهبانيَّةً» على الوجهِ الثاني، حجَّةٌ للمعتزِلة، ولا منفعةٌ للمخالِف؛ قاله الشيخُ الطاهِرُ بنُ عاشورٍ (٧).


(١) في «معاني القرآن وإعرابه» (٥/ ١٣٠).
(٢) في «التبيان في إعراب القرآن» (٢/ ١٢١١).
(٣) في «تفسيره» (٨/ ٤٢ ط. طيبة).
(٤) في «تفسيره» (٢٠/ ٢٧١ ط. الرسالة).
(٥) في «مدارج السالكين» (٢/ ٦٠ ط. الفقي).
(٦) في «التحرير والتنوير» (٢٧/ ٤٢٢ - ٤٢٣).
(٧) في «التحرير والتنوير» (٢٧/ ٤٢٣). وقد جعَلَ أبو حيَّانَ هذا الإعرابَ إعرابَ المعتزِلةِ، ونسَبَهُ لأبي عليٍّ الفارسيِّ والزمخشريِّ؛ كما فعَلَ المؤلِّفُ هنا، وضعَّفه مِنْ جهةِ صناعةِ العربيَّةِ، لكنْ أجاب السَّمِينُ الحلبيُّ عن ذلك. انظر: «البحر المحيط» (١٠/ ١١٥)، و «الدر المصون» (١٠/ ٢٥٥).

<<  <   >  >>