للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ربوبيته تعالى إذ قال: رب أنظرني، وما جحد الأمر؛ لأن الله واجهه بالأمر بالسجود مع الملائكة، وصرَّح بأنه أمرَه عينا؛ فقال سبحانه: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: ١٢]، وسبب كفر إبليس الذي دلَّت عليه الآيات هو إباء السجود الناشئ عن الاستكبار، ولهذا قال تعالى: ﴿أَبَى وَاسْتَكْبَرَ﴾ [البقرة: ٣٤]، وقال لإبليس: ﴿أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِين (٧٥)[ص]، كما يدل لذلك شبهة إبليس التي اعتذر بها عن امتناعه من السجود، وهو أن الله خلقه من نار، وخلق آدم من طين، وهذه الشبهة تتضمَّن دعاوى باطلة وأقيسة فاسدة ذكرها العلماء، وبيَّنوا بطلانها وفسادها (١)، وفخر إبليس فيها بنفسه واحتقاره لآدم ظاهر، فتضمَّن اعتذارُه حقيقةَ الكبر الذي هو ردُّ الحق واحتقار الغير، وذلك بردِّ أمر الله واحتقار آدم، وبهذا يُعلم أن ما ذكره المؤلف من سببَيْ كفر إبليس ناشئان عن الاستكبار (٢).

فالكبر إذن هو سبب كفر إبليس وأكثر الكافرين من بعده، وشواهد ذلك في القرآن كثيرة، قال تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ﴾ [البقرة: ٨٧]، وقال سبحانه: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِين (٣١)[الجاثية]، وسمَّى الله


(١) ينظر: «مجموع الفتاوى» (١٥/ ٥ - ٦)، و «الصواعق المرسلة» (٣/ ٩٩٨ - ١٠٠٧)، و «بدائع الفوائد» (٤/ ١٥٥٤ - ١٥٦٠).
(٢) ينظر: «الإيمان الكبير» (ص ١٥١)، و «الإيمان الأوسط» (ص ٤١٨)، و «الصارم المسلول» (ص ٥٢٠)، و «بدائع الفوائد» (٤/ ١٥٥٤)، و «مدارج السالكين» (١/ ٣٤٦).

<<  <   >  >>