للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولكن يُستدرَكُ على الشيخِ ابنِ جُزَيٍّ : ما يُوهِمُهُ كلامُهُ مِنْ أنَّ الخاصَّةَ لا طمَعَ لهم في الأجور، وهذا يُخالِفُ ما وصَفَ اللهُ به أنبياءَهُ وأولياءَه؛ مِنْ رجاءِ رحمتِهِ وخوفِ عذابِه، مع طلبِ القُرْبِ لديه في قولِهِ تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء: ٥٧]؛ فهم يَعْبُدون اللهَ في ثلاثة مَقامَات: مقامِ الحُبِّ، ومقامِ الخوفِ، ومقامِ الرجاء (١).

وكلامُهُ يُوهِمُ ما تقولُهُ جَهَلةُ الصوفيَّةِ (٢) مِنْ أنَّ العارفَ لا يعبُدُ اللهَ طمعًا في جَنَّتِه، ولا خوفًا مِنْ نارِه (٣)؛ ويَرُدُّ هذا الزعمَ آياتٌ


(١) ينظر: «مجموع الفتاوى» (١٠/ ٦١) و (١٠/ ٨١)، و «مدارج السالكين» (٢/ ٣٦. ط دار الكتاب العربي).
(٢) الصوفية: هو نسبة إلى لُبس الصوف، هذا هو الصحيح، كما قال شيخ الإسلام في الفرقان (ص ١٢٩). وقد عرفوا في بادئ الأمر بالزهد والعبادة، وكانت لهم أحوال أنكرها عليهم الأئمة، ثم تطور الأمر إلى أن دخل في التصوف فلاسفة الصوفية والزنادقة؛ فأدخلوا فيه القول بالحلول والاتحاد، والقول بالظاهر والباطن، وغيرها من البدع المكفرة. ينظر: «مجموع الفتاوى» (١١/ ٥ - ٢٠)، و «النبوات» (١/ ٢٨٠ - ٢٨٤)، و «بيان تلبيس الجهمية» (٢/ ١٦٩)، و «بيان حقيقة مذهب الاتحاديين أو وحدة الوجود -مجموع الفتاوى-» (٢/ ١٣٤ - ٢٨٥).
(٣) قال شيخ الإسلام: «هذا القائل ظنَّ - هو ومَن تابعه - أن الجنة لا يدخل في مسماها إلا الأكل والشرب واللباس والنكاح، ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات؛ ولهذا قال بعض مَنْ غلط مِنْ المشائخ لما سمع قوله: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ)﴾ [آل عمران: ١٥٢] قال: فأين من يريد الله؟! وقال آخر في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ﴾ [التوبة: ١١١] قال: إذا كانت النفوس والأموال بالجنَّة فأين النظر إليه؟! وكل هذا لظنِّهم أنَّ الجنَّة لا يدخل فيها النظر، والتحقيق: أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم، وأعلى ما فيها: النظر إلى وجه الله، وهو من النعيم الذي ينالونه في الجنة، كما أخبرت به النصوص،=

<<  <   >  >>