وعليه: فمن علم الله أنه يرتدُّ فإن الله لا يقبل عمله قبل أن تقع منه الردة. ومن علم الله أنه يمُن أو يؤذي في صدقته فإن الله لا يقبل صدقته من أول الأمر قبل أن يمُن أو يؤذي، وهذا خلاف ما فهمه السلف، وهو أن الله يقبل صدقة العبد المتصدق، فيستحق عليها الثواب، فإذا منَّ وآذى بطل عمله، وفات ثوابه، وقد ضُرب لذلك المثل الثالث في الآيات في قوله تعالى: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)﴾، وبهذا يتبيَّن خطأ المؤلف في تأويله.
ويظهر لي أن ما ذكره من التأويل مبنيٌّ على القول بأن أفعاله تعالى قديمة، فمن علم الله أنه يؤمن ويموت على الإيمان لم يزل الله راضيًا عنه حتى في حال كفره، ومن علم أنه يكفر ويموت على الكفر لم يزل الله ساخطًا عليه حتى في حال إيمانه، كما هو مذهب الكلابية (١) والأشاعرة، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة، وهو أن أفعاله تعالى تابعة لمشيئته، والرضا والغضب من أفعاله، فيرضى إذا شاء، ويغضب إذا شاء، ولرضاه وغضبه أسباب، هي بمشيئته تعالى، فمن قام به سبب الرضا ﵁، ومن قام به سبب الغضب غضب الله عليه، ومعنى هذا أنه تعالى قد يرضى عن العبد ثم يسخط، وقد