للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأوهم أنه سمعه منه تدليس، وما سمعت بتدليس أعجب من هذا انتهى كلامه. فالجواب أنَّ هذا هو السبب الحامل لسياق البخاري للطريق الثانية عن إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق التي قال فيها أبو إسحاق: حدثني عبدالرحمن فانتفت ريبة التدليس عن أبي إسحاق في هذا الحديث، وبين حفيده عنه أنَّهُ صرح عن عبدالرحمن بالتحديث، ويتأيد ذلك بأنَّ الإسماعيلي لما أخرج هذا الحديث في مستخرجه على الصحيح من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن زهير استدل بذلك على أنَّ هذا مما لم يدلس فيه أبو إسحاق قال: لأنَّ يحيى بن سعيد لا يرضى أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لشيخه، وكأنَّه عرف هذا بالاستقراء من حال يحيى، والله أعلم.

وإذا تقرر ذلك لم يبق لدعوى التعليل عليه مجال؛ لأن روايتي إسرائيل، وزهير لا تعارض بينهما إلا أن رواية زهير أرجح؛ لأنَّها اقتضت الاضطراب عن رواية إسرائيل، ولم تقتض ذلك رواية إسرائيل فترجحت رواية زهير، وأما متابعة قيس بن الربيع لرواية إسرائيل فإنَّ شريكا القاضي تابع زهيراً، وشريك أوثق من قيس على أنَّ الذي حررناه لا يرد شيئاً من الطريقين إلا أنَّه يوضح قوة طريق زهير واتصالها وتمكنها من الصحة وبعد إعلالها، وبه يظهر نفوذ رأي البخاري وثقوب ذهنه والله أعلم، وقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة ما يشهد لصحة حديث ابن مسعود فازداد قوة بذلك، فانظر إلى هذا الحديث كيف حَكم عليه بالمرجوحية مثل: أبي حاتم وأبي زرعة وهما إماما التعليل، وتبعهما الترمذي وتوقف الدارمي وحكم عليه بالتدليس الموجب للانقطاع أبو أيوب الشاذكوني ومع ذلك فتبين بالتنقيب والتتبع التام أنَّ الصواب في الحكم له بالراجحية فما ظنك بما يدعيه من هو دون هؤلاء الحفاظ النُّقاد من العلل، هل يسوغ أن يقبل منهم في حق مثل هذا الإمام مُسلماً؟ كلا والله، والله الموفق " (١).

قلتُ: وكلام الحافظ ابن حجر غايةٌ في بابه، وكأنه ذهب خالص، ولؤلؤ مرصوص ومحض توفيق من الباري عليه، ليضع الأمر في موضعه الصحيح، وينتظم مع ما أقره أهل


(١) ابن حجر العسقلاني، هدي الساري مقدمة فتح الباري (ص٤٧٢ - ٤٧٣).

<<  <   >  >>