إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد فهذه بحوث حديثية علمية، في نقد كتاب وضعه بعض أساتذة الجامعة السورية لطلاب كلية الشريعة، أرجو أن يجدوا فيها نموذجًا صالحًا للنقد العلمي النزيه، القائم على البحث والتزام القواعد العلمية الصحيحة، عسى أن يزيدهم ذلك عناية بدراسة الحديث الشريف، دراسة عملية، وبذلك يحيون ما كاد يندرس من هذا العلم العظيم، بسبب اقتصار المدرسين والأساتذة على تدريسه دراسة نظرية محضة، وإصدارهم على أساسها تأليفاتهم التي يؤلفونها لطلابهم أو لغيرهم، غير مراعين فيها أبسط تلك القواعد العلمية، من اختيار النصوص الصحيحة، والأحاديث الثابتة، من المصادر الموثوقة والمراجع المعتمدة، مع العزو إليها، وتخريجها تخريجًا علميًّا دقيقًا، فترى أحدهم -وهو أستاذ هذه المادة: الحديث- يورد حديثًا نبويًّا، أو خبرًا متعلقًا بسيرته عليه الصلاة والسلام أو أخلاقه يقول في تخريجه:«رواه أبو داود» أو «رواه ابن هشام في السيرة»! ! وهو يظن أنه بذلك قد أدى الأمانة العلمية المطوقة في عنقه، وأنه نصح طلابه! هيهات هيهات! فإن التزام المنهج العلمي المشار إليه في الدراسة الحديثية يوجب عليه قبل هذا التخريج المقتضب أن يدرس إسناد ذلك الحديث أو الخبر، ويتتبع رجاله، ويتعرف علله، وأقوال أهل الاختصاص فيه، ثم يحكم عليه بما تقتضيه هذه الدراسة من صحة أو ضعف،