قلت: فهذه الترجمة خطأ كما يظهر بأدنى تأمل، ذلك لأن الحديث يقول:«قام إليها»، ولم يقل:«قام لها» كما في الترجمة، والقيام إلى الشخص معناه الذهاب عنده والانتهاء إليه، بخلاف «القيام له» فهذا لا يستلزم سوى القيام، ورواية أبي داود أصرح في الدلالة على هذا المعنى، ولفظها:
«كانت إذا دخلت عليه قام إليها، فأخذ بيدها، وقبلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه، فأخذت بيده فقبلته، وأجلسته في مجلسها».
فهذا صريح في أن القيام منه صلى الله عليه وسلم إليها، إنما هو الذهاب إليها لاستقبالها، بدليل أخذه بيدها، وتقبيله إياها رضي الله عنها، والقيام للاستقبال مشروع لا نزاع فيه لهذا الحديث وغيره مما في معناه، بخلاف القيام الذي اعتاده الناس اليوم فإنه مكروه بدليل قول أنس رضي الله عنه «ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا لا يقومون له، لما يعلمون كراهيته لذلك». رواه البخاري في "الأدب المفرد" بسند صحيح على شرط مسلم. فالذي كانت السيدة فاطمة تصنعه له صلى الله عليه وسلم وهو القيام إليه صلى الله عليه وسلم، هو غير الذي كان صلى الله عليه وسلم يكرهه وهو القيام له، كما هو ظاهر، فلا اختلاف بين الحديثين، والحمد لله.
وإذا عرف هذا تبين أنه لا اختلاف أيضًا بين حديث أنس هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري:«قوموا إلى سيدكم»، لأنه ليس أمرًا بالقيام المكروه، بل هو أمر بالقيام إلى السيد والذهاب إليه، فهو مثل قيام فاطمة إليه صلى الله عليه وسلم، على أنه قد جاء التصريح بذلك في هذا الحديث في رواية ثابتة بلفظ «قوموا إلى سيدكم فأنزلوه». انظر إن شئت الكلام عليه في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"(رقم ٦٦).